أمّا الاستثناء الثاني الواقع في جانب{ الذّين سعدوا} فيحتمل معنيين:
أحدهما أن يراد: إلاّ ما شاء ربك في أوّل أزمنة القيامة ،وهي المدّة التي يدخل فيها عصاة المؤمنين غير التّائبين في العذاب إلى أن يعفو الله عنهم بفضله بدون شفاعة ،أو بشفاعة كما في الصّحيح من حديث أنس: « يدخل ناسٌ جهنّم حتى إذا صاروا كالحُمَمَة أخرجوا وأدخلوا الجنّة فيقال: هؤلاء الجهنميون » .
ويحتمل أن يقصد منه التّحذير من توهّم استحقاق أحد ذلك النعيم حقاً على الله بل هو مظهر من مظاهر الفضل والرّحمة .
وليس يلزم من الاستثناء المُعلّق على المشيئة وقوع المشيئة بل إنّما يقتضي أنّها لو تعلّقت المشيئة لوقع المستثنى ،وقد دلّت الوعود الإلهية على أنّ الله لا يشاء إخراج أهل الجنة منها .وأيّاً ما كان فهم إذا أدخلوا الجنّة كانوا خالدين فيها فلا ينقطع عنهم نعيمها .وهو معنى قوله:{ عطاء غير مجذوذ} .
والمجذوذ: المقطوع .
وقرأ الجمهور{ سَعِدوا} بفتح السّين ،وقرأه حمزة ،والكسائي ،وحفص عن عاصم ،وخلف بضم السّين على أنّه مبني للنائب ،وإن كان أصل فعله قاصراً لا مفعول له ؛لكنّه على معاملة القاصر معاملة المتعدّي في معنى فُعِل به ما صيّره صاحب ذلك الفعل ،كقولهم: جُنّ فلان ،إذا فُعل به ما صار به ذَا جنون ،ف{ سُعِدوا} بمعنى أسعدوا .وقيل: سَعِد متعدّ في لغة هذيل وتميم ،يقولون: سَعِدَه اللّهُ بمعنى أسْعَدَهُ .وخُرّج أيضاً على أن أصله أسعدوا ،فحُذف همز الزيادة كما قالوا مجنُوب ( بموحدة في آخره ) ،ومنه قولهم: رجل مَسعود .