/م103
{ وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ} أي دائما غير مقطوع ، من جذه يجذه [ من باب نصر] إذا قطعه أو كسره ، فهو كقوله تعالى:{ لهم أجر غير ممنون} [ فصلت:8] ، والفرق بين هذا التذييل وما قبله عظيم ، فكل من الجزاءين منه تعالى ، ومقيد دوامه بمشيئته ، ولكنه ذيل هذا بأنه هبة منه ، وإحسان دائم غير مقطوع ، ولو كان الأول مثله غير مقطوع لما كان فضلا وإحسانا ،وقد تكرر وعد الله للمؤمنين المحسنين بأنه يجزيهم بالحسنى وبأحسن مما عملوا ، وبأنه يزيدهم من فضله ، وبأنه يضاعف لهم الحسنة بعشر أمثالها وبأكثر ذلك إلى سبعمائة ضعف .ولم يعد بزيادة جزاء الكافرين والمجرمين على ما يستحقون ، بل كرر الوعد بأنه يجزيهم بما عملوا ، وبأن السيئة بمثلها وهم لا يظلمون ، وبأنه لا يظلم أحدا ، دع ما ورد من الآيات في سعة رحمته ، وفي الأحاديث الصحيحة من سبقها لغضبه .
وما قاله العلماء في حل هذا الإشكال غير ظاهر ، وخلاصته أن عذاب النار الشديد الأبدي الذي لا نهاية له إنما كان جزاء لأهلها بمثل ما عملوا في سنين أو أشهر معدودة ، باعتبار أنهم كانوا عازمين على الاستمرار على كفرهم وظلمهم وفسقهم لو كانوا خالدين في الدنيا ، فهو إذن جزاء لهم على نيتهم وعزمهم اه .وإنما كان هذا الجواب غير ظاهر ؛ لأن الجاحدين عنادا واستكبارا من الرؤساء والزعماء هم الذين يصح فيهم العزم على الاستمرار ، وهم الأقلون ، لما علم بالاختبار والواقع من إيمان أهل مكة ثم أكثر العرب لما زالت الموانع ، وظهر لهم منه ما كان خفيا عليهم ، على أن قاعدة هذه الشريعة السمحة أن الله لا يؤاخذ من نوى أن يعمل سيئة ولم يعملها ، والمعقول في تعليل الخلود في النار هو ما بيناه في سورة الأنعام وغيرها من أن عذاب النار الدائم أثر طبيعي لتدسية النفس بالكفر والظلم والفساد . وسنعود إليه في الخلاصة الإجمالية للسورة إن شاء الله تعالى .