/م103
{ فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء} هذه فذلكة ما تقدم من الإرشاد إلى الاعتبار بما حل بالأمم المهلكة ، وإنذار أعداء النبي صلى الله عليه وسلم به ، يقول:إذا كان أمر الأمم المشركة الظالمة في الدنيا ثم في الآخرة كما قصصناه عليك أيها الرسول فلا تكن في أدنى شك وامتراء مما يعبد قومك هؤلاء في عاقبته بمقتضى تلك السنة التي لا تبديل لها ، فالنهي تسلية له صلى الله عليه وسلم وإنذار لقومه .ثم بين حالهم في عبادتهم وجزائهم بيانا مستأنفا فقال{ ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل} فهم مقلدون لآبائهم كما يقولون ، وكما قال أقوام أولئك الأنبياء من قبلهم .
{ وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص} أي وإنا لمعطوهم نصيبهم من جزاء أعمالهم في الدنيا والآخرة وافيا تاما لا ينقص منه شيء ، كما وفينا آباءهم الأولين من قبل ، فإنه ما من خير يعمله أحد منهم كَبِر الوالدين ، وصلة الأرحام ، وإغاثة الملهوف ، وعمل المعروف إلا ويوفيهم الله تعالى جزاءهم عليه ، في الدنيا بسعة الرزق ، وكشف الضر جزاء تاما وافيا ، لا ينقصه شيء ، يجزون عليه في الآخرة ، فلا يغترن أغنياؤهم وكبراؤهم بما هم فيه من سعة ونعمة ووجاهة ، فهو متاع عاجل لا يلبث أن ينقضي ، ولا يحتجن به على رضى الله عنهم وإعطائهم مثله في الآخرة على فرض وجودها ، كما أعطاهم في الدنيا كما حكى عن قائلهم:{ ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا} [ الكهف:36] ، وعن آخر{ ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى} [ فصلت:50] ، فإن الحسنى عند الرب تعالى في الآخرة لا تكون إلا للمؤمنين المتقين ، الذين يزكون أنفسهم في الدنيا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما بلغهم عنه من موجبات الرحمة عنده بفضله .