{ فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص109}
( الفاء ) تصل الكلام بما قبله ، وهو مترتب على القصص السابقة والجزاء الذي أعده الله تعالى للأشقياء والسعداء ، والفاء للإفصاح عن شرط مقدم مؤاده إذا كان ما علمت من قصص لعبدة الأوثان وأنبيائهم ، وما نزل بالمشركين ، فلا تك في شك من بطلان ما يعبد هؤلاء ، وأصلها تكن ، وحذفها كثير في القرآن الكريم ، وهو يعطي اللفظ جمالا في النسق والنغم وحلاوة في اللفظ ، وتلك خصائص القرآن الكريم ، وقوله:{ في مرية} أي شك يدفع إلى المرء ، والمجادلة ، والنهي هنا والحال أن ذلك لا يتصور منه ، فهو بالنسبة له صلى الله عليه وسلم أمر غير متصور الوقوع منه صلى الله عليه وسلم وللنهي فائدتان:
الفائدة الأولى:أنه نهى لمن يقرءون القرآن ، فهو نهي في ظاهره للنبي صلى الله عليه وسلم ، وفي حقيقته لكل أتباع محمد ، وكل من يخاطبون بالقرآن ، وهو اقتلاع لجذور الشك من النفس .
الفائدة الثانية:أن النهي لإفادة البطلان بدليله ، فإن ما سبق فيه أدلة بطلان الشرك ، وأنه معاقب عليه ، وأن عاقبته العقاب الصارم الذي يجتث الأمم .
ومن أحسن ما أقرت في تأويل ذلك أن مؤدي النهي هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليه بأن يقول لكل من يخاطبه{ فلا تك في مرية} وإن كان اللفظ لا يساعد في ظاهره ذلك ، فهو منتهاه ، يؤدي إليه قوله تعالى{ مما يعبد هؤلاء} ، والإشارة إلى المشركين ، أي قل لقومك لا تكونوا في مراء مما يعبد هؤلاء من أوثان ، فإنهم لم يفكروا فيه ، ولم يتجهوا فيه إلى منطق عقلي أوصلهم إليه ، ولكنهم ألغوا عقولهم اتباعا لآبائهم ولذا قال تعالى:{ ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل} أي أنهم مقلدون ، وليسوا بمفكرين ولا بمهتدين ولذا كانوا يقولون لأنبيائهم:{. . . .أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا . . . .62} وكان مشركو مكة يقولون:{. . . .وإنا على آثارهم مقتدون23}( الزخرف ) وكانوا يقولون:{ بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون170} ( البقرة ) .
وهكذا ، وذكر سبحانه اتباعهم لآبائهم ، بل لبيان أنهم لا يفكرون ، وهم مؤاخذون لكفرهم ، ولإهمال الآيات الدالة على الوحدانية ، وللمعجزة الدالة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي معجزة القرآن الكريم .
ولهذا قال تعالى في بيان جزائهم:{ وإنا لموفون نصيبهم غير منقوص} .
ذكر بعض المفسرين أن المراد نصيبهم في الدنيا من رزق ، ويكون المعنى لا يغرنك تقلبهم في البلاد وما أوتوا من ثروة ، وجاه ، فإنه لا يدل على أنهم على حق ، فإن رزق الدنيا منوط بأسبابه ، وإن الله يعطيهم أرزاق الدنيا غير منقوصة ، فالنصيب هنا هو الرزق الدنيوي .
وأما الرأي الثاني أن المراد نصيبهم من العذاب ، والقرينة تعينه ، لأن الكلام عن عذاب الذين عاندوا النبيين ، وصادموا دعواتهم ، وسخروا منها . وقوله تعالى{ غير منقوص} حال مؤكدة لمعنى الوفاء في كل الأقوال ، ولعل خير الأقوال ما يشمل النصيبين ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
الاختلاف في الحق
قال تعالى: