ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب 110 وإن كلا لما يوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير111فاستقم كما أمرت ومن تاب معه ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير112ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون113 وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين 114 واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين 115
كانت التسلية في قصص الأنبياء الذين بعثوا في أرض العرب ، وللعرب ، ولم تذكر لهم كتب ، وقد ذكر بعد ذلك موسى وقد جاء بكتاب يصدقه القرآن ، وفيه بشرى بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فأشار سبحانه إلى قصة موسى بطرف من القول فقال تعالت كلماته:
{ ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم} ، أكد الله نزول الكتاب على موسى ب( اللام ) و( قد ) ، وأضاف سبحانه الإيتاء إليه ، وكان فيه آيات بينات ، وعظات ، وأحكام زاجرة ، ولم يترتب على إيتاء موسى عليه السلام الإيمان به ، وقد أنقذهم من ظلم فرعون الذي كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ، ورأوا تسع آيات حسية ملزمة ، ورأوا آيات الله تعالى فيهم ونعمه ظاهرة وباطنة تفيض عليهم ، مع كل هذا لم يذعنوا لما جاء به من شرائع بل اختلفوا فيه ، فإذا كانوا قد اختلفوا في شأنه ما بين مذعن ومؤول ومخالف ، فكيف تنتظر يا محمد من قوم أميين أن يذعنوا بمجرد النزول .
و( الفاء ) في قوله:{ فاختلف فيه} للعطف والترتيب من غير تراخ ، وكأنه ترتب على إيتاء الله تعالى موسى الكتاب الاختلاف ، وهذا يدل على ان الاختلاف ليس ناشئا من ذلك الكتاب ، بل هو ناشيء من فساد النفوس وإذا فسدت النفوس لا يقنعها الدليل ، ولا يهديها البرهان مهما يكن حاسما .
وقد افترق اليهود على فرق شتى حول التوراة ما بين ربانيين وقراءين ، وصدوقيين لا يؤمنون باليوم الآخر .
ويبدو من فرقهم أن الاختلاف في شأن الكتاب كان في فهمه ، حتى ضلوا وحرفوا الكلم عن موضعه ، وأتوا بكتاب لم ينزل على موسى ، وقالوا إنه من الكتاب ، وليس منه شيء .
ولقد قال تعالى:{ ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم} ولولا أن الله تعالى يمهل الظالمين إلى يوم يبعثون ، ويتركهم يتجادلون ، ليزيد ابتلاؤهم لقضي بينهم في هذا الاختلاف وبين الحق الذي لا يحتار فيه أحد ، ولكنه تركهم يتعرفونه ؛ لأنه خلقهم ذوى مدارك ، ومع كل نفس فجورها وتقواها .
وقال تعالى:{ وإنهم لفي شك منه مريب} الشك معناه التظنن في الحق ، وقد بدلت دلالة ، والريب هو نتيجة هذا التظنن ، والضمير في قوله:{ وإنهم لفي شك منه مريب} يعود إلى مشركين كما يقول أكثر المفسرين ، والضمير في{ منه} يعود إلى القرآن .
ولكن لم يكن ذكر للمشركين ولم يكن ذكر هنا للقرآن ، وإن إعادة الضمير إليهم ، وإلى كتاب الله تعالى لا يأتي بإفادة جديدة ، ورأى أن الضمير يعود إلى قوم موسى الذي أوتي التوراة ، ويكون الريب بسبب اختلافهم ، فإن الاختلاف يحدث الشك ، والجدل ذريعة الريب ، والضمير في{ إنهم}يعود حينئذ إلى مذكورين في القول غير مطويين ، وكذلك الضمير في{ منه} .
وإن في ذلك لعبرة من ناحيتين:
الأولى:تسلية النبي صلى الله عليه وسلم .
والثانية:بيان أن الاختلاف والجدل تميع فيهما الحقائق ، ويحل محلها الشك والريب ، اللهم هبنا الوفاق ، وجنبنا الشقاق ، وقد أكد الله شك القوم بأن وباللام وبالجملة الاسمية .
ويقول في جزاء السابقين واللاحقين: