{ الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون 19}
يذكر الله تعالى أحوال الذين يفترون على الله الكذب ، وقد ذكرنا كيف كانوا يفترون ، وهذه الحال التي ذكرت هي الصد عن سبيل الله تعالى بإيذاء المؤمنين وفتنهم ليقولوا كلمة الكفر وهم لها كارهون ، وقد بالغوا في إعناتهم حتى مات منهم من مات تحت حر العذاب الذي ابتدعوا فيه طرائق تتنافى مع كل إنسانية بل ووحشية ، حيث كانوا يحمون الحديد ويصبونه محميا في فرج المسلمة حتى لقد اضطر بعد المسلمين أن ينطق كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان . وكان من صدهم أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يذهب داعيا في الحج القبائل كان يذهب منهم من ينفرهم من الإسلام كأبى لهب ، وأن الأوس والخزرج عندما استجابواللنبي صلى الله عليه وسلمكانوا يلتقون بهعلى استخفاء منهم وفي سر لا إعلان فيه ، وهم يتبعونهم كلما علموا باجتماعهم به ، ولذا قال تعالى في وصف هذه الحال:{ الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا} وسبيل الله هي سبيل الحق والإسلام كما قال تعالى:{ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله . . .153}( الأنعام ) .
{ يبغونها عوجا} أي يريدونها ملحفين في ذلك أن تكون معوجة بأن يلين معهم في عبادة الأوثان وتحريم ما أحل الله ويرضى بما يرضون ، أو يريدون ويبغون أن يكون أتباعه معوجين منحرفين عن الحق وأن يرتدوا عن دينهم الذي ارتضوا ، وقد أشار سبحانه إلى السبب الذي جعلهم يوغلون في الكفر ذلك الإيغال ويمنعون فيه هذا الإمعان ، فقال تعالى في حالهم التي أضلتهم:{ وهم بالآخرة هم كافرون} .
أي أن الكفر بالبعث جعلهم لا يؤمنون إلا بالدنيا وزينتها وظنوا أنها وحدها هي الحياة مما أدى بهم إلى هذا الغباء وهذه اللجاجة فيه .
وقد أكد سبحانه كفرهم بالبعث واليوم الآخر وأنه لاحساب ولا عقاب ، أكده أولا بالضمير وهو قوله تعالى:{ وهم} وتكراره في قوله تعالى:{ هم كافرون} وأكده بالجملة الاسمية .
وذلك ضلالهم وهو الضلال البعيد ، وأنهم بغوا وطغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد وحسبوا أنهم الغالبون وأنه لا يعجزهم أحد وذلك سر طغيان الطغاة .
لذا قال تعالى ما يفيد أنهم أعجزوا العباد فلن يعجزوا رب العباد .