{ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون 29} .
طمأنهم إلى أنه لا يسألهم مالا ، والمال عنصر حياتهم المادية التي بها يستعلون وهو زخرف الحياة وزينتها ، ولكن يسألهم الهداية ، وأجره على الله وحده{ إن أجري إلا على الله} ( إن ) نافية ، لا أجر لي إلا عند الله فلا تحاولوا أن تنكروا الرسالة ما دمت لا تكلفكم مالا ، بل تكلفكم إصغاء وإيمانا . ثم هم كانوا يطعنون في اتباعه ويغضون من مقامه عند الله ولا يرضون أن يكونوا صفا واحدا مع هؤلاء الأراذل في زعمهم المادي الفاسد ، فيقول لهم قولا قاطعا حازما حاسما فيه شدة وقوة{ وما أنا بطارد الذين آمنوا} لأني جئت للهداية لا للثروة والمال ، وعبر بالموصول في كلمة{ الذين آمنوا} لبيان سبب النفي ، وهو كونهم آمنوا ، فحققوا ما جئت به ، فكيف أطردهم .
وإن الاعتبار بحالهم وحالكم إنما يكون في الآخرة وليس في الدنيا ، ولذا قال:{ إنهم ملاقو ربهم} وعند لقاء ربهم الذي خلقهم ورباهم على تقوى منهم ، فستكونون معهم وستعلمون أنهم أهدى سبيلا .
ويتجه نوح إلى أن يصدع بالحق فيهم بعد هذا الرفق الكريم يقول:{ ولكني أراكم قوما تجهلون} ، وهذا الاستدراك من القول اللين العطوف ألى القول الحق الذي لا يخلو من عنففي لطف ، أراكم قوما تجمعتم وتحزبتم وأنتم تجهلون الحقائق وتمارون بالباطل ، انتقل من عذرهم بخفاء الأمور عليهم إلى رميهم بالجهل المستمر الذي يتجدد آنا بعد آن وقد استمروا عليه .ثم من بعد ذلك مستنكرا طردهم .