المفردات:
وما أنا بطارد الذين آمنوا: طرده: أبعده ونحاه .
تجهلون: أي: تسفهون عليهم ،وهو من الجهالة التي تضاد العقل والحلم .
التفسير:
29{وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ ...} الآية .
إني أقوم برسالتي ؛احتسابا لوجه الله ،ودعوتي خالصة من المطامع الدنيوية ؛فأنا لا أطلب منكم مالا ولا أجرة على تبليغ الرسالة والهداية .
{إن أجري إلا على الله} .لا أنتظر الجزاء والثواب إلا من الله ؛فهو صاحب الفضل والمنة ،وله الحمد في الأولى والآخرة .
وشبيه بهذه الآية قوله تعالى في سورة الشعراء:{وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين} .( الشعراء: 109 ) .
وقد روى عن ابن جريج: لأنهم قالوا لنوح: إن أحببت أن نتبعك ؛فاطرد هؤلاء الأراذل ؛لذلك قال لهم:{وما أنا بطارد الذين آمنوا} .أي: لا أتخلى عنهم ولا أطردهم من مجلسي ،فلا أتخلى عمن آمن بالله ،سواء أكان من الفقراء أم من الأغنياء .
ويبدو أن الرسل قد تعرضوا لهذا العرض في تاريخهم الطويل ،وهو تطلع الأغنياء إلى أن تكون لهم مجالس خاصة بهم لا يشترك فيها الفقراء ،ومثل هذا العرض قدمه أهل مكة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ،وقد أجاب عنه القرآن في سورة الكهف ،حيث قال تعالى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} . ( الكهف: 28 ) .
{إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} .
إن هؤلاء الفقراء الذين دخلوا في الإيمان ،صائرون إلى ربهم ،وهو سائلهم عن أعمالهم ،ولن يسألهم عن أحسابهم ؛فكيف يكون موقفي أمام الله يوم القيامة إذا طردت هؤلاء المؤمنين من مجالسي ،عندما يقف المؤمنون أمام الله ؛وهو المالك العادل الذي ينصف المظلوم من الظالم ،ويقضي بين الناس بالعدل يوم القيامة ؟!!
{ولكني أراكم قوما تجهلون} .أي: تجهلون القيم الحقيقية للناس عند الله ،وتجهلون أن مرد الناس جميعا إلى الله وحده للحساب .قال تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} .( الأنبياء: 47 ) .
وفي الحديث الشريف:"إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ،ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ". 36