/م28
{ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا} أعاد نداءهم بقوله: "يا قوم "استعطافا وتكريرا للتذكير بأنه إنما يدعوهم لخيرهم ومصلحتهم ، وصرح لهم بأنه لا يسألهم على ما دعاهم إليه مالا ، فيكون متهما فيه عندهم لمكانة حب المال من أنفسهم ، واعتزازهم به عليه وعلى الفقراء من أتباعه .والمال ما يملك ويقتني من نقد وماشية وغيرها ، وعبر في سورة الشعراء بالأجر ويدل عليه هنا{ إن أجري إلا على الله} أي ما أجري على تبليغه والقيام بأعبائه إلا على الله الذي أرسلني به ، وكل رسول بعده أمر أن يبلغ قومه هذا ، كما تراه في سورة الشعراء محكيا عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وتكرر مثله بأمره تعالى عن محمد رسول الله وخاتم النبيين ، وما اتصل به من الاستثناء في قوله{ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} [ الشورى:23] فهو –أي الاستثناء- منفصل معناه لكن أسألكم مودة أولي القربى لكم ، وصلة الأرحام التي تبالغون فيها وتقاتلون لأجلها .فهذه الجملة دفع لشبهة أخرى على نبوة نوح كغيره لا بد أن تكون حاكت في صدور قومه وقد يكون بعضهم تكلم بها .
{ وما أنا بطارد الذين آمنوا} أي وليس من شأني لا بالذي يقع مني طرد الذين آمنوا من قربي وجواري لاحتقاركم لهم ، ووصفكم إياهم بالأراذل جهلا منكم ، فهذا رد على الشبهة الثانية في كلامهم بنفي لازمه وهو الطرد ، وقد يكونون صرحوا بذكر هذا اللازم ، وهذه سنة أكابر مجرمي الكفار من جميع أقوام المرسلين ، بيّنها هنا وفي سورة الشعراء في قوم نوح أولهم ، وتكرر معناها في قوم خاتمهم ، ومنه في ذكر الطرد قوله تعالى في سورة الأنعام:{ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [ الأنعام:52] الآية .وفي معناها قصة الأعمى في سورته .
{ إنهم ملاقوا ربهم} هذا تعليل مستأنف لنفي الطرد معناه أنه يلاقون ربهم يوم القيامة فهو يتولى حسابهم وجزاءهم ، وليس على الرسول من هذا شيء ، إن عليه إلا البلاغ ، فليس يضركم ما هم عليه والله به وبهم{ ولكني أراكم قوما تجهلون} أي تسفهون عليهم ، من الجهالة المضادة للعقل والحلم ، أو تجهلون ما يمتاز به البشر بعضهم على بعض من إتباع الحق والتحلي بالفضائل ، وعمل البر والخير ، وتظنون أن الامتياز إنما يكون بالمال المطغي ، والجاه بالباطل المردي ، وفي قصته من سورة الشعراء{ قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين} [ الشعراء:110-115] وفي معنى ما هنا من أن حسابهم على الله تتمة الآية [ 6:152] المشار إليها آنفا ، وهو بمعنى قوله تعالى:{ ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم}
/خ49