{ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه} مبالغة في الامتناع عن الأكل إذ لم تتحرك أيديهم بل بقيت في مكانها لا تمتد إليه ، ولما رأى ذلك أحس أنهم غرباء عنه ، وعن جملة أحاسيسه ، إذ إنهم لم يمدوا أيديهم ولم يعتذروا ، وعبر الله عنذلك بقوله تعالى:{ نكرهم} وهو بمعنى أنكرهم واستنكر أمرهم ، وإن كلمة{ نكرهم} تدل على ما هو أبلغ من الإنكار والاستنكار ، بل تدل مع ذلك على الوحشة من لقائهم ، ولذا قال تعالى بعد ذلك:{ وأوجس منهم خيفة} ، والإيجاس هو الإدراك بالحس ، والخيفة الخوف الشديد الذي يظهر في الهيئة ؛ لأن خيفة اسم هيئة من الخوف ، أي أدركوا سببا للخوف وظهر الخوف في هيئته عليه السلام ، وخيفة في الإعراب تمييز محول من المفعول إلى التمييز ، وقد أحس الرسل بهذا فقالوا:{ لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط} عندئذ اطمأن وقر قراره ،{ وامرأتة قائمة} ويقول المفسرون إنها قائمة وراء الستر{ فضحكت} سرورا بزوال الخيفة التي اعترت زوجها ؛ ولأنها استأنست بأن هؤلاء سيقضون على أهل الدعارة والفساد ، ولأنها كانت خائفة على لوط من قومه أو إذا نزل عذاب يعم قومه . وبعض المفسرين قال إن( ضحكت ) معناها حاضت ، وعندي أنه إذا جاز ذلك لغويا فإن ظاهر الضحك هو ما يكون بسبب السرور ، ولا يخرج اللفظ عن ظاهره إلا لقرينة فإن ادعوا أنها البشرى بغلام فإنها ليست قرينة تخرج اللفظ عن ظاهره وإن البشرى أقرب إلى أن يرجح أن الضحك للسرور وأنها لما ضحكت وسمعها الرسل كانت البشرى .