ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ69 فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط 70 وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق من وراء إسحاق يعقوب 71 قالت يا ويلتي ألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب72 قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد73 فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط74 إن إبراهيم لحليم أواه منيب75 يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود 76 ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب 77 وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد 78قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد 79 قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد80 قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب 81فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود82 مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد 83
قال تعالى:
{ ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيد69 فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط70} .
جمع الله تعالى قصة إبراهيم ولوط في موضع واحد ؛ لأنهما كانا في زمن واحد ، ولا مانع من أن يوجد نبيان في زمن إذا تباعد الإقليمان ، وقد يكونان في زمن وإقليم واحد كما في خطاب قوم إسرائيل ، ومجادلة طاغية كفرعون ، وإن كان أحدهما رسولا والآخر ردئا له .
وفي القصة التي جمعت بين إبراهيم ولوط عبر نذكر بعضها قبل التصدي لذكر ما جاء في هذا الموضع ، منها إثبات أن الله هو الفاعل المختار المريد الذي لا يتقيد بالأسباب العادية كما نتقيد بها ، بل إنه خالق هذه الأسباب يملك تغييرها ، وأنه سبحانه وتعالى القادر المريد ، فهذه عجوز تجاوزت سن الولادة تحمل وتلد ، ومن هذه العبر أن الملائكة أراد الله جعلهم كالأناسي ويلبس الأمر كما لبس على إبراهيم عليه السلام إذا أنكرهم لما رأى أيديهم لا تصل إلى الطعام وأوجس منهم خيفة .
ومنها أن الفواحش تفتك بالجماعات وتذهب قوتها وتعدها للفناء ، كما في شأن قوم لوط إذ إن فاحشتهم قطعت نسلهم وأسلمتهم إلى الدمار ، ومنها أن كل امرئ بما كسب رهين ومعاقب بعمله ، فلم يعف امرأة لوط من العذاب أنه امرأته ، ولأنها كانت من المفسدين حق عليها ما نزل بهم من العذاب .
ومنها أن آل لوط لم يكونوا عبدة أوثان فقط بل كانوا مع ذلك يأتون الفاحشة التي ما سبقهم بها أحد ، يأتون الرجال شهوة من دون النساء حتى أصبحوا لا يخرجون من شر إلا إلى شر ، فهم في دائرة الفساد المطلق والفاحشة الشنعاء التي هي كرءوس الشياطين من المخنثين ومن يتشبهون بالإناث في ملابسهم وشعورهم بل وفي أفعالهم ، ووجدت جماعة تنطلق انطلاقا إلى كل موبق باسم حرية الإرادة وما هي إلا الوقوع في أسر الشهوة ومن ورائها ذلها .
ومنها أن الانطلاق إلى الهوى لا يرده عقل ولا تدبير ولا حياء بل ولا أي مروءة إنسانية ، حتى أنهم عندما رأوا الملائكة ، جاءوا إلى لوط عليه السلام يهرعون ، وإنه ليعرض بناته للزواج ، فيقولون في تبجح لقد علمت ما لنا في بناتك حق ، وهكذا نرى ممن يشبهونهم في عصرنا .
ولنبدأ بذكر القصة بعد هذا الذي أدركناه من عبر ، قال تعالى:{ ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيد 69} ، حيوه بالسلام ، وهو مصدر لفعل محذوف أي"نسلم سلاما"، وقد كانت هذه تحية فردها بأحسن منها فقال{ سلام}أي أمري كله سلام ، وأتم التحية بكرم الضيافة الذي امتاز به أبو العرب إبراهيم بأن أعد الطعام الشهي المشوي{ فما لبث أن جاء بعجل حنيذ}( الفاء ) للعطف الدال على الفورية أي ما أبطأ أن جاء بعجل مشوي:يقال حنذ الشاه أي شواها . ونلاحظ هنا أن الله سبحانه وتعالى قد صدر القصة بقوله:{ ولقد جاءت رسلنا} وكلمة( قد ) مؤكدة للخبر ؛ وأكد الخبر لأن فيه غرابة وهي مجيء الملائكة إلى الأرض{ رسلنا} تكريما وتشريفا وتعظيما .
وقال{ بالبشرى} أن مصاحبة لهم البشرى بولد لإبراهيم عليه السلام الذي قدم لهم من الطعام ما ينبئ عن الكرم وحسن اللقاء ، ولم يجدهم يمدون أيديهم إليه وعبر عن ذلك بقوله تعالى: