وقوله:( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم ) تنكرهم ، ( وأوجس منهم خيفة ) وذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى الطعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه; فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به ، فارغين عنه بالكلية فعند ذلك نكرهم ، ( وأوجس منهم خيفة ) .
قال السدي:لما بعث الله الملائكة لقوم لوط أقبلت تمشي في صور رجال شبان حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه ، فلما رآهم [ إبراهيم] أجلهم ، ( فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين ) فذبحه ثم شواه في الرضف . [ فهو الحنيد حين شواه] وأتاهم به فقعد معهم ، وقامت سارة تخدمهم فذلك حين يقول:"وامرأته قائمة وهو جالس "في قراءة ابن مسعود:"فلما قربه إليهم قال ألا تأكلون قالوا:يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن . قال فإن لهذا ثمنا . قالوا وما ثمنه ؟ قال:تذكرون اسم الله على أوله ، وتحمدونه على آخره فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال:حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا "، ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم ) يقول:فلما رآهم لا يأكلون فزع منهم ، وأوجس منهم خيفة ، فلما نظرت إليه سارة أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم ، ضحكت وقالت:عجبا لأضيافنا هؤلاء ، [ إنا] نخدمهم بأنفسنا كرامة لهم ، وهم لا يأكلون طعامنا .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا نصر بن علي ، [ حدثنا] نوح بن قيس ، عن عثمان بن محصن في ضيف إبراهيم قال:كانوا أربعة:جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، ورفائيل . قال نوح بن قيس:فزعم نوح بن أبي شداد أنهم لما دخلوا على إبراهيم ، فقرب إليهم العجل ، مسحه جبريل بجناحه ، فقام يدرج حتى لحق بأمه ، وأم العجل في الدار .
وقوله تعالى إخبارا عن الملائكة:( قالوا لا تخف ) [ إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت] ) أي قالوا:لا تخف منا ، إنا ملائكة أرسلنا إلى قوم لوط لنهلكهم . فضحكت سارة استبشارا [ منها] بهلاكهم ، لكثرة فسادهم ، وغلظ كفرهم وعنادهم ، فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس .
وقال قتادة:ضحكت [ امرأته] وعجبت [ من] أن قوما يأتيهم العذاب وهم في غفلة [ فضحكت من ذلك وعجبت فبشرناها بإسحاق] .
وقوله:( ومن وراء إسحاق يعقوب ) قال العوفي ، عن ابن عباس:( فضحكت ) أي:حاضت .
وقول محمد بن قيس:إنها إنما ضحكت من أنها ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط ، وقول الكلبي إنها إنما ضحكت لما رأت من الروع بإبراهيم . ضعيفان جدا ، وإن كان ابن جرير قد رواهما بسنده إليهما ، فلا يلتفت إلى ذلك ، والله أعلم .
وقال وهب بن منبه:إنما ضحكت لما بشرت بإسحاق . وهذا مخالف لهذا السياق ، فإن البشارة صريحة مرتبة على .