{نَكِرَهُمْ}: نكره وأنكره واستنكره بمعنى واحد ،ضد عرفه ،أي: أن إبراهيم لم يعرف سبباً لامتناعهم عن الأكل .
{وَأَوْجَسَ}: الإيجاس ،الإحساس ،أي أحس بالخوف منهم .
{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ} فلم يدرك سبباً لذلك لأنه مخالف للأمر المألوف في سلوك الضيف مع صاحب البيت ،{وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} نظراً للغموض الذي لف الموقف ،فهو لا يعرفهم بأشخاصهم ،والامتناع عن الأكل يوحيفي عرف الناس آنذاكبالعداوة وبإضمار الشرّ للمضيف ،مما جعله يحس بالخوف والقلق ،ولا مانع من حدوث مثل ذلك للأنيباء الذين يعيشون الضعف البشريّ الذي تخضع له المشاعر الذاتيّة ،ولكن بالمستوى الذي لا يؤدّي إلى السقوط في المعصية ،ولا يوحي بالانسحاق ،ولا يمنع من العصمة .
ولعلّ سر عظمتهم في تمثَّلهم خط التوازن بين نقاط الضعف التي تؤكد بشريتهم ،ونقاط القوة التي تنطلق من حركة الإيمان والرسالة في روحيتهم ،فلا مشكلة في إحساس الإنسان بالخوف ،بل في الاستسلام له ،وليس الخوف حالة سلبيّةً في ذاته ،بل قد يكون حالةً إيجابيّةً بما يشكله من حمايةٍ للإنسان من الأخطار المهلكة التي تحيط به .ولذا كان إبراهيم خاضعاً لتأثير هذه الحالة الطبيعية من الإحساس بالخوف أمام ظاهرةٍ ،غامضةٍ فاجأته بما يشبه الصدمة ،ولكن الملائكة لم يأتوا ليخلقوا عقدة الخوف ،وليثيروا في داخله القلق ،{قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ}فلسنا من البشر ،ولا نريد بك شرّاً ،بل نحن مرسلون إلى قوم لوط لأداء مهمّةٍ إلهيةٍ ،تستهدف إهلاكهم بالطريقة التي أمرنا الله بها .