ذلك جزاء معنوي للمؤمن الذاكر لله تعالى العامر قلبه بأنسه ونوره ، وفي الآخرة يكون هذا الجزاء ، وجزاء رضوان الله تعالى ، ونعيم الجنة ، وقد ذكر سبحانه وتعالى ذلك فقال عز من قائل:
{ الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مئاب ( 29 )} .
هذا جزاء آخر ، غير جزاء الاطمئنان والقرار الذي يختص به المؤمنون دائما ،{ طوبى لهم} وهي على وزن فعلى كبشرى ، وزلفى ، وأصلها طيبى ، وقعت الياء ساكنة بعد ضمة فقلبت واوا ، وقد قال الزمخشري عالم البيان في تصريفها:"وطوبى مصدر من طاب كبشرى وزلفى ، ومعنى طوبى لك أصبت خيرا وطيبا ومحلها النصب أو الرفع كقولك طيبا لك ، وطيب لك ، وسلاما لك ، وسلام لك".
وعلى كلام الزمخشري تكون هذه الكلمة السامية تحية من الله تعالى لعباده المؤمنين ، وتكون هذه التحية مقررة لهم بأن لهم السلام والاطمئنان ، والطيب في إقامتهم في الجنة ، بدليل ما جاء معطوفا عليها ، وهو قوله تعالى:{ وحسن مئاب} أي مآب ، ومرجع ونهاية هي حسنة في ذاتها ، ليجتمع لها طيب الإقامة ، وحسن الثواب ، بل كلاهما من الثواب .
وطوبى ، محلها هنا ، بدليل المعطوف عليها ، فإنه مرفوع .
وقد ذكر سبحانه وتعالى لاستحقاق هذه التحية المباركة وصفين:
الوصف الأول:الإيمان .
والوصف الثاني:العمل الصالح .
فالعمل الصالح غذاء الإيمان ، وإذا لم يكن جف الإيمان ، وصار حطاما أو غثاء أحوى ، وإن أساس الخير هو الإذعان للحق ، ثم الجهد به ، ثم العمل ، ثم السير على مقتضى الإيمان في أعمال الحياة ، اللهم هب لنا من لدنك رحمة ، وهيئ للمسلمين من أمرهم رشدا ، وهبهم الاطمئنان إلى ذكرك ، وحتى لا يرهبوا ، ولا يفزعوا ولا يطمعوا ، واجعل قلوبهم تعمر بك ، حتى يجتمعوا ، ولا يتفرقوا .