{ إن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ( 40 )} .
إن الشرطية مدغمة في تاء الدالة على توكيد التعليق ، وليست زائدة ، كما يعبر بعض النحويين ، فليس في القرآن زائد ، وإنما الزائد في إعرابهم ، وفعل الشرط هو نرينك ، أو نتوفينك ، والمعنى إنا نريك بعض الذي نعدهم من أهوال تنزل بهم في حياتك ، أو نتوفينك قبل أن ينزل بهم ما نعدهم به ، كيفما كانت الحال ، فإنه نازل بهم جزاؤهم في الدنيا ما استقام أهل الإيمان على الطريقة ، فإن حادوا عنها ، حيد لهم .
وقد تأكد الشرط بما الدال على التوكيد ، وبنون التوكيد الثقيلة التي تلازم "ما"غالبا ، وتوكيد الشرط توكيد للتعليق كله ، أي أن الارتباط بين الشرط والجواب مؤكد ، فإنه إذا لم تر بعض ما وعدهم الله به من عقاب بوفاتك قبله ، أو تراه فإنه نازل بهم ، وقد أديت ما وجب عليك من تبليغ وبقى أن ينفذ وعيد الله تعالى فيهم ، ونعدهم أي الإنذار الذي أنذرهم الله تعالى به ، فوعد بمعنى أوعد . وأحسب أن القرآن عبر عن الإيعاد بالوعد في جملة ما جاء به من إنذار .
وقوله تعالى:{ فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} ليس هو جواب الشرط ، وإنما يدل عليه والجواب مثلا ، أنزلنا بهم ما وعدنا ، وأريناك مصارعهم ، وما عليك أي تبعة من أمورهم{ فإنما عليك البلاغ} ، إنما للقصر ، أي ليس عليك إلا البلاغ ، وقد بلغت ، وعلينا الحساب ، العقاب ، وبر عن العقاب بالحساب ؛ لأنه جزاء لما فعلوا ، ويفعلون ، وهو ذاته حساب لهم على ما آذوا المؤمنون وهم مستمرون في غلوائهم ، وذلك كقوله تعالى:{ فذكر إنما أنت مذكر ( 21 ) لست عليهم بمسيطر ( 22 ) إلا من تولى وكفر ( 23 ) فيعذبه الله العذاب الأكبر ( 24 ) إن إلينا إيابهم ( 25 ) ثم إن علينا حسابهم ( 26 )} [ الغاشية] .