ثم وصف سبحانه طيب هذه الشجرة فوق ما وصف بأن ثمراتها دائمة لا تنقطع ، فقال تعالى:{ تؤتي أكلها حين بإذن ربها} ، أي تؤتى ثمراتها في كل حين ، وإيناعها بإذن ربها .
والشجرة هي المشبه به ، وقد وصفها سبحانه بأنها طيبة ، وطيبها في أنها ثابتة الأصل ، وبأنها مرتفعة ، وبأنها تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها .
هذا هو المشبه به ، فأما المشبه:هي الكلمة الطيبة ، والكلمة الطيبة فيها عناصر الطيبة التي ذكرت في الشجرة ، فهي كلمة النفس والقلب والعقل ، تنبع من القلب والعقل فقال بإخلاص لله تعالى ، وهو الحق ، وإنها إذ تقال تعلو بصاحبها عن سفاسف الأمور ، وتتجه به إلى معاليها ، فهي ترفع صاحبها ولا تهوى ، وهي هادية مرشدة ممتدة النفع تؤتى ثمراتها كل حين ، والكلمة الطيبة تبقى ببقاء الأنفس المتبصرة المدركة ، فالكلمة حياة تحيى النفوس والأفئدة .
وما الكلمة التي تتحقق فيها هذه المعاني ؟ قيل:إنها كلمة التوحيد ، وقيل:إنها الإيمان ، والحق أنها الكلمة التي تكون صادقة في ذاتها ومنبعثة من النفس لإرضاء الله تعالى ، والذود عن محارمه وتتحقق فيها النية الطيبة ، والقول الطيب ، كما قال تعالى:{ وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ( 24 )} [ الحج] ، وروى من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن مثل الإيمان كمثل شجرة ثابتة ، الإيمان فروعها ، والصلاة أصلها ، والزكاة فروعها ، والصيام أغصانها ، والتأذى في الله نباتها ، وحسن الخلق ورقها ، والكف عن محارم الله ثمراتها".
ولقد قال تعالى:{ ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} ، أي الأمور المتشابهة بين بعضها البعض ، فيبين المعنوي بالحسي كأنه محسوس مرئي ، ويبين الله سبحانه وتعالى ذلك البيان ليرجوهم أن يتذكروا ويعتبروا ، فالرجاء ليس من الله تعالى الذي يعلم كل شيء ولا يغيب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء .
هذا مثل الكلمة الطيبة وهي كلمة الحق الجامعة لكل معاني الخير والطيب ، والكمال والجمال ، أما الكلمة الخبيثة فقد قال تعالى في مثلها:
{ ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ( 26 )}