إن الله لا يخلف الميعاد
كان النهي في الآيات السابقة عن أن يحسب أن الله تعالى تارك الظالمين ، وما يفعلونه ، غير منزل بهم ما يستحقون من عقاب ، جزاء وفاقا لما يفعلون ، وهنا في هذه الآيات يبين أن الله تعالى أنه منزل هذا العقاب لأن جزاؤهم ، ولأنه قد وعد رسله به ، وإن الله تعالى لا يخلف رسله ما وعدهم به .
قوله تعالى:{ فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} ، و{ رسله} مفعول للوعد ، أي لا تحسبن الله مخلف ما وعد الرسل ، وقدم الوعد على الرسل للإشارة إلى أن إخلاف الميعاد ليس أمرا جائزا بالنسبة لله ، سواء أكان من وعده رسولا أم كان غير رسول .
وقد وعد الله رسله بالغلب ، وأن يكون السلطان للحق ، كما قال تعالى:{. . .لأغلبن أنا ورسلي . . .( 21 )} [ المجادلة] ، وقد بين تعالى أن الغلب لهم في هذه الآية ، فقال تعالت كلماته:{ إن الله عزيز ذو انتقام} ،{ عزيز} معناه غالب قوى مسيطر يعز من يشاء ويذل من يشاء ، وقوله تعالى:{ ذو انتقام} ، أي صاحب انتقام للحق من الباطل ، وللضعفاء من الأقوياء ، والانتقام معناه مجازاة المسئ بما أساء وأن يقتص بالحق من القوى للضعيف ، وأن تكون العقوبة على قدر الجريمة ، فأساس العقاب في الشريعة أوفى ، أي يكون العقاب على قدر الجريمة ، وأن يكون جزاء وفاقا لها .
وهنا يسال سائل ، لماذا عبر سبحانه في الجزاء بالانتقام ؟ لأن الظالمين من المشركين قد أرهقوا الضعفاء المؤمنين من أمرهم عسرا وصعبوا الاستمساك بالحق وجعلوه مرا فكان لا بد من الجزاء انتقاما من الظالمين لتقر أعين الضعفاء ويذوقوا حلاوة الحق بعد أن ذاقوا مرارته .
وقد يسأل سائل لا يعرف آداب القرآن ولا حكمة الديان:كيف يسمى العقاب انتقاما وهو لإصلاح النفوس لا للانتقام منها ، ونظرية الانتقام علم القانون ، ونقول في الإجابة على ذلك:إن شأن الآخرة هو القصاص من جرائم الدنيا ، وأما في الدنيا فكلامهم قد يكون واردا على نظر فيه ، فإن العقوبات الإسلامية للردع ، والإصلاح يكون من طريقه ، إذ يكون فيه عبر لمن يكون على استعداد للارتكاب ، وقد قال بعض القانونيين:إن العقوبة إذا كانت من جنس الجريمة كانت أردع للجاني ؛ لأنه يتصور وهو يرتكبها أن سينزل به مثل الذي ينزله بالمجنى عليه فيمتنع رهبة .
وإن ذكر العقوبات القاهرة فيه عبرة لمن يكونون على وشك الارتكاب في الدنيا ، فمن يعرف أنه سيبذل يوم القيامة لا يذل الناس ، ومن يعلم أنه ينال عذاب الجحيم لا يكفر ولا يؤذى عبدا .