ومع هذه العبر والأمثال استمروا في غيهم ؛ ولذا قال تعالى:
{ وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ( 46 )} .
الكلام في أخبار الذين سكنوا في مساكنهم ، وقد تبين كيف فعل الله بهم ، وقد بين هي هذه الآية أنهم كانوا يدبرون التدبيرات الخبيثة للكيد للحق وأهله ، والتوحيد ومعتنقيه ، أي دبروا كل ما يحاربون به عقيدة التوحيد ، فاعتقدوا الباطل وناصروا الشرك ، وحاربوا المؤمنين بكل أنواع الحرب من فتنة في الدين . . .وإيذاء للمؤمنين وسخرية بهم{ وعند الله مكرهم} ، أي وعند الله تعالى علم مكرهم ، وأنه محيط بما كانوا يمكرونه{ وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} .
الجبال هنا المراد بها شرائع الله تعالى التي جاء بها النبيون ، فشبهت بالجبال لثباتها وشموخها وعلوها ورفعتها ، و{ إن} هنا إما أن نقول:إنها مخففة من ( إن ) الثقيلة ، والمعنى أن الحال والشأن أن ذلك المكر كان مهيأ ومعدا لتزول به الشريعة ، ولكن تدبير الله كان أحكم فنجت الشرائع التي بلغت في شموخها وعلوها وثباتها مبلغ الجبال .
وإما أن نقول:إنها نافية وتكون اللام لام الجحود ، ويكون المعنى ، وما كان مكرهم مهما يبلغ من القوة والتدبير والإحكام في زعمهم لتزول منه الشرائع المحكمة التي هي كالجبال في ثباتها وعظمتها ، وإن الله تعالى حافظ شرعه وأنبياءه والمؤمنين ، ولو تضافر الشرك كله .