وقد روى شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن [ بن دابيل] أن عليا - رضي الله عنه - قال في هذه الآية:( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) قال:أخذ ذاك الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين صغيرين ، فرباهما حتى استغلظا واستعلجا وشبا .
قال:فأوثق رجل كل واحد منهما بوتد إلى تابوت ، وجوعهما ، وقعد هو ورجل آخر في التابوت قال:- ورفع في التابوت عصا على رأسه اللحم - قال:فطارا [ قال] وجعل يقول لصاحبه:انظر ما ترى ؟ قال:أرى كذا وكذا ، حتى قال:أرى الدنيا كلها كأنها ذباب . قال:فقال:صوب العصا ، فصوبها ، فهبطا . قال:فهو قول الله - عز وجل -:"وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال ". قال أبو إسحاق:وكذلك هي في قراءة عبد الله:"وإن كاد مكرهم ".
قلت:وكذا روي عن أبي بن كعب ، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - أنهما قرآ:"وإن كاد "كما قرأ علي . وكذا رواه سفيان الثوري ، وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن أذنان عن علي ، فذكر نحوه .
وكذا روي عن عكرمة أن سياق هذه القصة لنمرود ملك كنعان:أنه رام أسباب السماء بهذه الحيلة والمكر ، كما رام ذلك بعده فرعون ملك القبط في بناء الصرح ، فعجزا وضعفا . وهما أقل وأحقر ، وأصغر وأدحر .
وذكر مجاهد هذه القصة عن بختنصر ، وأنه لما انقطع بصره عن الأرض وأهلها ، نودي أيها الطاغية:أين تريد ؟ ففرق ، ثم سمع الصوت فوقه فصوب الرماح ، فصوبت النسور ، ففزعت الجبال من هدتها ، وكادت الجبال أن تزول من حس ذلك ، فذلك قوله:( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال )
ونقل ابن جريج عن مجاهد أنه قرأها:"لتزول منه الجبال "بفتح اللام الأولى ، وضم الثانية .
وروى العوفي عن ابن عباس في قوله:( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) يقول:ما كان مكرهم لتزول منه الجبال . وكذا قال الحسن البصري ، ووجهه ابن جرير بأن هذا الذي فعلوه بأنفسهم من كفرهم بالله وشركهم به ، ما ضر ذلك شيئا من الجبال ولا غيرها ، وإنما عاد وبال ذلك على أنفسهم .
قلت:ويشبه هذا - إذا - قوله تعالى:( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) [ الإسراء:37] .
والقول الثاني في تفسيرها:ما رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) يقول شركهم ، كقوله:( تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا ) [ مريم:90 - 91] وهكذا قال الضحاك وقتادة .