{وقد مكروا مكرهم ...} .
أي: إن هؤلاء الظالمين لم يعتبروا بما أصاب السابقين من الهلاك ؛كغرق قوم نوح ،وهلاك عاد وثمود ،حيث بين الله لهم عاقبة الكفر ،وضرب لهم أمثلة تنتهي باندحار الباطل ،وانتصار الحق ،ولم يعتبروا بهذه الأمثال .
ثم:{مكروا مكرهم} .
دبّروا الكيد لمساندة الباطل ،ومقاومة الحق ،واستفرغوا في ذلك كل جهدهم .
{وعند الله مكرهم} .
وفي علم الله تعالى جزاء مكرهم الذي فعلوه ،وسيكون العقاب من جنس العمل .
{وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} .
إن هنا نافية بمعنى: ما ،وفي قراءة ابن مسعود:{وما كان مكرهم لتزول منه الجبال} .
أي: إن مكرهم مهما عظم واشتد ؛لم يكن أهلا لإزالة الآيات والنبوّات الثابتة ثبات الجبال ،فالباطل مهما عظم إلى زوال ،والحق مهما قلّ أتباعه باق بقاء الجبال ،وهذا هو رأي الجمهور ،ومقصوده: الاستخفاف بمكر الظالمين ،وبيان: أن ما يضمرونه ليس خافيا على الله ،ولن يزلزل المؤمنين في عقيدتهم ؛لأن إيمانهم كالجبال الرواسي في ثباته ورسوخه .
وذهب الكسائي34 إلى أن المراد من هذه الجملة الكريمة: التعظيم والتهويل من شأن مكرهم ،أي: وإن كان مكرهم يبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال ؛فإن الله ينصر دينه .
وقريب من هذا المعنى قوله تعالى:{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا* لقد جئتم شيئا إدّا* تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّا* أن دعوا للرحمن ولدا* وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا}( مريم:88 92 ) .