ارتداد مكر أهل الباطل عليهم يوم القيامة
يحاول الباطل بكل جنوده وأسلحته وأدواته ،أن يعقّد الظروف ،ويثير المشاكل ،ويخلق المنازعات والمشاحنات ،ويحرّك الرواسب والخلفيّات ،ويبعث الشكوك والشبهات ،ويمارس كل الأساليب الانفعالية في مواجهة الأساليب العقلانية ،ويضع الخطط الخبيثة وكل ما يدخل في دائرة الكيد والمكر والحيلة والخداع ،لمحاربة الحق في ساحة صراعه المرير معه .
مكر أهل الباطل تزول منه الجبال
{وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ} في كل المواقف والأعمال والأوضاع التي أثاروها في وجه الحق{وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} لا يغيب عنه شيءٌ من خفاياه ولا يعزب عن علمه مثقال ذرّةٍ مما يخفيه الناس من مؤامراتهم وخططهم الخبيثة ،وذلك هو ضمان حماية المسيرة الإيمانية الواعية المنفتحة على الحق وأهله ،واستمرار مضيها في طريقها المستقيم ،بكل قوّةٍ وعزيمةٍ وإخلاص ،{وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} بما يمثله من ضخامةٍ وصلابةٍ وشدة ودهاءٍ .
وقد نستوحي من ذلك نقطتين:
مراقبة خطط الأعداء
الأولى: متابعة مخططات أهل الباطل والكفر والضلال والطغيان ،ومواجهة نتائجها على مستوى القاعدة والأسلوب ،إضافة إلى التفكير الدقيق بالخصائص التي تميّز هذه الخطة أو تلك ،وبالعناصر الإيجابية أو السلبية هنا وهناك ،وبالنتائج العملية التي تحصل من هذه الحركة أو تلك ،وهكذا تنطلق الدراسة الشاملة ،لتضع بين أيدينا المزيد من المفردات ،والكثير من القضايا التي تعيننا على وضع الخطة المضادّة التي تحمي الساحة من جهة ،وتواجه الصراع بالقوة التي تهزم الآخرين من جهةٍ أخرى .
إن المسألة التي يجب أن تحكم موقفنا في الهجمة الشرسة التي تندفع نحونا من مواقع الباطل وخططه الشريرة ،هي أن لا نتحرك بعقلية ردّة الفعل العاطفية ،التي تثير في النفس الحزن والألم ،وتوحي للفكر بالسلبيّة ،وتدفعنا للمزيد من الخوف والضعف والجمود ،بل أن نتحرك بعقلية الفعل الذي يخطط في اتجاهين:
أحدهما: يركز الحق على أساس قاعدة فكرية ثابتة تمدّ الجوانب الأخرى ،سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وعسكرية ،بشكل متوازن ومتواصل ،ليعرف العاملون قاعدة الانطلاق ،وخط السير ،ونهاية الطريق ،بعيداً عن كل الرياح القادمة من بعيد ،الملائمة وغير الملائمة .
ثانيهما: يخطط ضد الباطل ،من موقع المفاهيم والأسس التي تحكم تلك القاعدة أو تتفرّع منها ،وبذلك لا يكون التحرك لوناً من ألوان رد الفعل ،بل فعلاً يهزم فعل الآخر ورد فعله ،في عملية ملاحقة لكل المتغيرات الواقعية التي تطرأ على الظروف الموضوعية المحيطة بالصراع على أكثر من صعيد .
إن من الضروري للعاملين أن لا يكونوا في حالة انفصال عن حركة الساحة من حولهم ،وما يطرأ عليها من اهتزازاتٍ ومتغيّرات ،بل عليهم أن يرتبطوا بأحداثها ارتباطاً عضوياً ،بحيث يصبحون جزءاً فاعلاً من حركة الواقع ،لا يستكين لظروف الكل ،بل يعمل على أن يعطي الكل من حيويته وفاعليته وحركيته ،قوّةً جديدة ،وحيويّةً جديدة .
كيد الرجل والمرأة
الثانية: إن في الآية إشارةً إلى هذا الكيد العظيم الذي تكاد الجبال أن تزول منه ،ما قد يوحي بخطأ الفكرة القائلة بأن الخطر كل الخطر هو في كيد النساء انطلاقاً من الآية الكريمة في سورة يوسف:{إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} ،فإننا قد نلاحظ أولاً: أن هذه الكلمة جاءت في سياق ما نقله الله من كلام العزيز ،لا من كلام الله في موقع تقرير الفكرة تأسيساً أو إمضاءً ،وثانياً: أن هذه الآية تؤكد أن كيد الرجال قد يصل إلى المستوى الذي تزول منه الجبال ،ما قد يوحي إلينا بأن كيد المرأة لا يبلغ هذا المبلغ مهما كان عظيماً ،بل قد نفهم من ذلك أن كيد المرأة هو من نتائج كيد الرجل الذي قد يثير أمامها الكثير من أجواء الانحراف ،أو يعرّضها لكثير من أجواء الضغط تدفعها إلى مواجهته بوسائل الحيلة والمخادعة التي تملكها في دائرتها الصغيرة المحاصرة بالضغوط .