قوله: ( وقد مكروا مكرهم ) لقد مكر هؤلاء الظالمون الجاحدون مكرهم الفظيع الذي استفرغوا فيه كل ما لديهم من جهود وطاقات وقدرات مالية وثقافية وفنية وإعلامية وسياسية ونفسية وعسكرية وغير ذلك من أساليب الخداع والشر والافتراء والكذب والترويع والإغراء والتضليل- كل ذلك للصد عن سبيل الله وهو دينه وشرعه ،ولإشاعة الكفر والضلال والفساد في الأرض ولتدمير الإسلام والمسلمين في العالم كيلا يبقى لمنهج الإسلام سلطان ولا عزة ولا شوكة .ولكي يتبدد المسلمون فينقلبوا إلى أشتات من الجماعات المبعثرة الممزقة المستضعفة ؛وذلك أقصى ما يبتغيه الظالمون والطغاة والمجرمون من غايات في هذا العالم .
قوله: ( وعند الله مكرهم ) أي مكتوب عند الله مكرهم ؛فهو مجازيهم عليه بمكر أعظم من مكرهم .أو عند الله مكرهم الذي يمكرهم به وهو عذابهم الذي يستحقونه فيأتيهم من حيث لا يحتسبون .قوله: ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) يقرأ ( لتزول ) على قراءتين الأولى: فتح اللام الأولى ورفع اللام الأخرى ،فتكون اللام للتأكيد ،دخلت للفرق بين إن المخففة وبين إن النافية بمعنى ما ،فيكون المعنى: وإنه كان مكرهم لتزولُ منه الجبال .وذلك على سبيل التعظيم والتهويل .
الثانية: كسر اللام الأولى وفتح الأخرى .فتكون اللام لام الجحود ،وإن ،في الآية بمعنى ما ،النافية .فيكون المعنى: وما كان مكرهم لِتزولَ منه الجبال .وذلك على سبيل التصغير والتحقير لمكرهم{[2421]} .و ( كان ) ،ههنا تامة بمعنى وقع .والمراد بالجبال ،آيات الله البينات ودينه القويم الحكيم ؛فإنه في رسوخه واستقراره وعظيم شأنه كالجبال الرواسي الشم التي لا تميد ولا تتزعزع{[2422]} .