وإن ذلك الذي يكون فيه انتقام الله تعالى من الأشرار هو يوم القيامة يوم تبدل الأرض غير الأرض ؛ ولذا قال تعالى:{ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار ( 48 )} يوم متعلق ب ( انتقام ) ، أي أن الله تعالى في هذا اليوم:{ يوم تبدل الأرض غير الأرض . . .} والتبديل قد يكون في الذات كقولك بدلت الدراهم دنانير ، ومنه{. . .بدلناهم جلودا غيرها . . .( 56 )} [ النساء] ،{. . .وبدلناهم بجنتيهم جنتين . . .( 16 )} [ سبأ] ، وقد تكون في الأوصاف كتبديل سبائك الذهب إلى حلى فثقلت من شكل إلى شكل ، والجوهر واحد في القولين ، وقد يكون تغييرا بين النقيضين أو الضدين ، ومنه قوله تعالى:{. . .فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات . . .( 70 )} [ الفرقان] فالعبرة في هذا بالأثر .
وتبديل الأرض أمر واقع لا محالة ، واختلف في كيفة وحاله ، فقيل:تبدل أوصافها ، فالجبال تتفكك وتصبر كالعهن المنفوش ، وتتحرك وتطرب وتتفجر الينابيع وتسوى الماء باليابس فلا يرى عوج ولا أمت ، وقيل:إن الأرض كما هي ، ولكن يتغير ناسها ، ولا يكون فيها ظلم يقع ، بل تكون كلها تحت سلطان القهار وروى ذلك عن ابن عباس .
فقد انشد عن ابن عباس .
فقد أنشد بعد ذلك:
وما الناس بالناس الذين عهدتهم ولا الدار بالدار الذي كنت تعلم
وتبديل السموات بانتشار كواكبها ، وكسوف شمسها ، وخسوف قمرها ، وانشقاقها{[1379]} ، ومن الحق أن كل الكون يتغير في أحواله وأوصافه ودورانه ، فالسماء تتغير ، كما قال تعالى:{ إذا الشمس كورت ( 1 ) وإذا النجوم انكدرت ( 2 ) وإذا الجبال سيرت ( 3 ) وإذا العشار عطلت ( 4 ) وإذا الوحوش حشرت ( 5 ) وإذا البحار سجرت ( 6 ) وإذا النفوس زوجت ( 7 )} [ التكوير] .
وهكذا تبدل الأشياء ، وتتبدل الأحوال ، فبعد أن كان الظلم في الأرض بغالب الحق فإذا الحق هو الأمر الذي لا يغالبه شيء .
هذا يوم القيامة ؛ ولذا قال تعالى:{ وبرزوا لله الواحد القهار} ، أي ظهروا وعلموا أنهم قد لقوا الله تعالى وقد كانوا يكذبون لقاء الله ، ويعجبون من أن يعودوا بعد أن يصيروا ترابا وعظاما ، ولكنه لقاء لا يسرهم ، إنا هو لقاء القهار لعقابهم ؛ ولذلك ذكر سبحانه وتعالى بوصفه الرهيب عندهم الذي ينقض اعتقادهم الباطل فقال:{ لله الواحد القهار} ، ولفظ{ لله} يلقى وحده المهابة في نفوسهم بعد إنكارهم لقاءه ، ووصفه ب{ الواحد} ليعرفوا أن شركهم كان باطلا ، وأنه وحده الحكم العدل ، فلا شفاعة لأحد ، ولا لأوثانهم ، و{ القهار} صيغة مبالغة من القهر ، أي أنه سبحانه وتعالى وحده الذي سيوفيهم جزاءهم مقهورين مغلوبين .
ولقد صور الله تعالى حالهم بعد ذلك اللقاء المفزع الذي تشخص فيه الأبصار ، وهذه كقوله تعالى:{. . .لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ( 16 )} [ غافر] .