قوله: ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) ( يوم ) ،منصوب على الظرف بالمصدر قبله وهو قوله: ( ذو انتقام ) أو منصوب على البدل من قوله: ( يوم يأتيهم العذاب ){[2423]} وقيل: منصوب بفعل مقدر .أي واذكر يوم تبدل الأرض .
والمراد بالتبديل الذي يأتي على الأرض والسماوات يحتمل وجهين:
الوجه الأول: أن يكون ذلك في الذات ؛أي تبدل الأرض التي عليها الناس في هذه الدنيا ،فتصير أرضا بيضاء نقية كالفضة ،وكذلك السماوات الحالية المعروفة تبدل سموات أخرى مختلفة اختلافا ذاتيا .
الوجه الثاني: المراد بالتبديل ما كان في الصفة وليس في الذات . قال ابن عباس في هذا المعنى: هي تلك الأرض إلا أنها تغيرت في صفاتها فتسير عن الأرض جبالها وتفجر بحارها وتسوّى ،فلا يُرى فيه عوج ولا أمت{[2424]} .
قوله: ( والسماوات ) أي تبدل السموات غير السموات .وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام:"لا يقتل مؤمن كافر ولا ذو عهد في عهده "والمعنى: ولا ذو عهد في عهده بكافر .أما تبديل السماوات ،فهو بانفطارها وانتثار كواكبها وانكدار نجومها وتكوير شمسها وخسوف قمرها وتسجير بحارها .فلا جرم أن ذلك انقلاب كوني هائل مزلزل ،انقلاب يأتي على الكون كله وما حواه من خلائق وأشياء سواء في ذلك الأحياء على اختلاف أنواعها وأجناسها ،أو الكواكب والنجوم ومختلف الأجرام السابحة في أجواز الفضاء الرحيب ،أو ما حوته الأرض من بحار وأنهار ومعادن وبشر .كل أولئك سيأتي عليهم التبديل الكوني المذهل الذي تتغير فيه الصورة والصفات للأشياء جميعا ليصير الوجود إلى عوالم أخرى مختلفة وقد تبدل فيها الحال غير الحال ؛بل تبدل فيها كل شيء تبديلا .
تلك هي القيامة بفظائعها وقواصمها ودواهيها الجسام .وحينئذ يؤتى بالبشرية جميعها لتناقش الحساب .وهو قوله: ( وبرزوا لله الواحد القهار ) أي في ذلك الزمان العصيب من أهوال القيامة حيث القوارع والشدائد والبلايا يظهر بنو آدم فردا فردا بين يدي الله ( الواحد القهار ) أي الغلاب الذي لا يغالب ،القهار الذي لا يقهر ؛بل إنه هو الذي يقهر الخلق بما شاء وكيف شاء .
وإنهم يظهرون جميعا أمام الله مكشوفين صاغرين عرايا وقد غشيهم من اليأس والرعب ما تخوى منه القلوب ،وتنهار به الأبدان والأعصاب{[2425]} ،يظهرون جميعا ليناقشوا الحساب فلا استتار حينئذ ولا مناص ولا غياب ،إلا الوقوف بين يدي القاهر الدّيّان .