من نبأ موسى عليه السلام
قال تعالى:
ولقد أرسلنا موسى بئايتا أن أخرج قومك من الظلامت إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( 5 ) وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ( 6 ) وإذ تأذت ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ( 7 ) وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ( 8 ) ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا عليه مريب ( 9 )
في الآية السابقة ذكر سبحانه وتعالى أنه لا يرسل رسولا إلا بلغة قومه ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، ويبين لهم فيضل من يضل ، ويهتدي من يهتدي ، وفي هذه الآية وما يليها من آيات يبين الله إخبار نبي من أولى العزم بعث في قومه ، وغيرهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، ويذكرهم بأيام الله تعالى من وقائع من نزلت بمن سبقهم من الأمم ، وما نزل بهم هم من نعم ، وهو موسى عليه السلام ، وقد أخرج الله على يدي موسى بنى إسرائيل قومه من فرعون وظهرت آياته فيهم ، ومع ذلك صلوا من بعده ، وفي حياته .
قال تعالى:{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور} أكد الله تعالى إرسال موسى إلى قومه ب ( اللام ) و ب ( قد ) ، وقومه أهم بنو إسرائيل وحدهم أم قوم موسى كل من أرسل إليهم ؟ ظاهر القول بادئ الأمر أنهم بنو إسرائيل ؛ لأنهم قومه وجنسه أو قبيله ، ولكن موسى لم يرسل لبني إسرائيل وحدهم ، إنما أرسل إلى سكان مصر وفيهم فرعون ، وقد قال تعالى في رسالة موسى وأخيه هارون:{ اذهبا إلى فرعون إنه طغى ( 43 ) فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ( 44 ) قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ( 45 ) قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ( 46 )} [ طه] .
وهذه تدل على أنه بعث لمصر كلها ، لا لبني إسرائيل وحدهم ، وإن كانت فضائل الرسالة عادت على بني إسرائيل بالنعمة والإنقاذ ابتداء ، والهداية للجميع كانت المقصد في نهاية الرسالة وغايتها وقال تعالى:{ وذكرهم بأيام الله} .
وردت أخبار من السلف بأن أيام الله ، الوقائع التي انتصر الله فيها لكلمة الحق والإيمان ، كما نزل بقوم نوح ، وقوم هود ، وقوم صالح ، وقوم لوط ، وآل مدين ؛ وذلك لأن كلمة ( أيام ) تطلق في التاريخ العربي على الحروب التي كانت لها دوى في العرب كحرب "ذي قار"الذي انتصر فيها العرب على فارس ، وكحرب "الفجار"، وكحرب "عبس وذبيان"، وكحرب "البسوس"، إلى غير ذلك من الأيام الشداد .
وروى عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن أيام الله هي النعم التي أنعم بها على بني إسرائيل ، والأيام التي أنزل بها اعتبارا لأهل مصر ليسلموا ، فقد أنزل عليهم تسع آيات هي:الطوفان والجراد والقمل ، والضفادع والدم والعصا ، ويده إذ تخرج بيضاء من غير سوء ، والسنين ونقص من الثمرات .
ويمثل عبارات بعض المفسرين إلى أن الأيام التي طلب الله تعالى من موسى أن يذكرهم بها تعم أيام المحنة التي نزلت ببني إسرائيل وأيام النعمة ، وقال الطبري في ذلك:وعظهم الله تعالى بما سلف من الأيام الماضية لهم ، أي بما كانوا في أيام الله تعالى من النعمة والمحنة ، وقد كانوا عبيدا مستذلين .
وهكذا نرى أن ابن جرير يخص الأيام بأيام الله تعالى في بني إسرائيل محنة ونعمة .
والحق أن أيام الله تعالى تعم أيام الشدائد ، وأيام النعم ، وتعم بني إسرائيل ومن سبقهم من الأمم كقوم نوح إلى آخره ، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى تلك الأيام ببعض التفصيل بذكر النعم والنقم معا .
وهذا بحث نحوي أشار إليه المفسرون اللغويون ، وهو يتعلق بقوله تعالى{ أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور} فيقول:أرسل الله موسى مؤيدا بالآيات التسع التي أشنا إليها قائلا له:{ أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور} ، أي من الضلال الذي هو كالظلمات المتكاثفة إلى الحق الذي كالنور الواضح البين ، ويصح أن نقول:إن{ أن} تفسيرية ، أي إن ما بعدها تفسير لمعنى الرسالة ، وجوز الزمخشري أن{ أن} مصدرية ولا مانع من دخولها على الأمر ؛ لأنه فعل ، ويكون المعنى:أرسلنا موسى إلى قومه بإخراجهم من الظلمات إلى النور .
وقد بينا أن قومه تعم كل من بعث إليهم ، وهم بنو إسرائيل ، وأهل مصر ، وقد كانت دعوته – عليه السلام – فيهم .
وقد قال تعالى:{ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} ،{ ذلك} الإشارة إلى إخراجهم من الظلمات إلى النور والآيات الدالة على رسالته ، والأيام باشتمالها على النعم التي جاءت إليهم وأفاضها عليهم ، والشدائد التي نزلت بغيرهم ،{ لآيات} أي لأمارات هادية مرشدة{ لكل صبار شكور} ، وجاء ذكر الصبر بصيغة المبالغة ، وذكر الشكر بصيغة المبالغة أيضا ، للدلالة على أن من يعرف هذه الآيات ويدركها هو الذي صار الصبر بتمرسه له صفة كالجبلة فيه ، وصار شكر النعمة والقيام بحقها كذلك ، وقالوا:إن المراد الصبر على البلاء ، والشكر على النعماء ، وإلى أن الصبر كما يكون في النقمة يكون أيضا في النعمة ، والصبر بالنعمة ألا تدفعه إلى الغرور ؛ والأشر والبطر ، كما قال تعالى:{. . .ونبلوكم بالشر والخير فتنة . . .( 35 )} [ الأنبياء] ، والنقمة أيضا تحتاج إلى الشكر ، إذ تذكر بما أنعم وأكرم في حال البلاء والاختبار ، فيكون الشكر على ما أسلف على رجاء الإنقاذ مما أوقع ، ثم يكون الشكر على الماضي والحاضر .