قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا وحُجَجنا من قبلك يا محمد ، كما أرسلناك إلى قومك بمثلها من الأدلة والحجج (39) كما:
20561- حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ح (40) وحدثني الحارث قال ، حدثنا الحسن الأشيب ، قال ، حدثنا ورقاء ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد ح (41) وحدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجَاهد ، في قول الله:( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ) قال:بالبينات.
20562- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد:( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ) قال:التسعُ الآيات ، الطُّوفانُ وما معه.
20563- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد:( أرسلنا موسى بآياتنا ) قال:التسعُ البَيِّناتُ.
20564- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
* * *
وقوله:( أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) ،كما أنـزلنا إليك ، يا محمد ، هذا الكتاب لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم . ويعني بقوله:( أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) ، أن ادعهم ، (42) من الضلالة إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإيمان ، كما:-
20565- حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله:( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) يقول:من الضلالة إلى الهدى.
20566- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، مثله.
* * *
وقوله:( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ) يقول عز وجلّ:وعِظْهُم بما سلف من نِعَمِي عليهم في الأيام التي خلت فاجتُزِئ بذكر "الأيام "من ذكر النعم التي عناها ، لأنها أيام كانت معلومة عندهم ، أنعم الله عليهم فيها نعمًا جليلةً ، أنقذهم فيها من آل فرعون بعدَ ما كانوا فيما كانوا [فيه] من العذاب المُهِين ، وغرَّق عدوَّهم فرعونَ وقومَه ، وأوْرَثهم أرضهم وديارَهم وأموالَهم.
* * *
وكان بعض أهل العربية يقول:معناه:خوَّفهم بما نـزل بعادٍ وثمودَ وأشباههم من العذاب ، وبالعفو عن الآخرين:قال:وهو في المعنى كقولك:"خُذْهم بالشدة واللين ".
* * *
وقال آخرون منهم:قد وجدنا لتسمية النّعم بالأيام شاهدًا في كلامهم. ثم استشهد لذلك بقول عمرو بن كلثوم:
وَأَيَّـــامِ لَنَـــا غُــرٍّ طِــوَالٍ
عَصَيْنَــا الْمَلْــكَ فِيهَــا أَنْ نَدِينَـا (43)
وقال:فقد يكون إنما جَعَلها غُرًّا طِوالا لإنعامهم على الناس فيها. وقال:فهذا شاهدٌ لمن قال:( وذكرهم بأيام الله ) بنعم الله. ثم قال:وقد يكون تَسْميتُها غُرًّا ، لعلوّهم على المَلِكِ وامتناعهم منه ، فأيامهم غرّ لهم ، وطِوالٌ على أعدائهم. (44)
* * *
قال أبو جعفر:وليس للذي قال هذا القول ، من أنّ في هذا البيت دليلا على أن "الأيام "معناها النعم ، وجهٌ . لأنَّ عمرو بن كلثوم إنما وصفَ ما وصف من الأيام بأنها "غُرّ"، لعزّ عشيرته فيها ، وامتناعهم على المَلِك من الإذعان له بالطاعة ، وذلك كقول الناس:"ما كان لفلان قطُّ يومٌ أبيض "، يعنون بذلك:أنه لم يكن له يومٌ مذكورٌ بخير. وأمّا وصفه إياها بالطولِ ، فإنها لا توصف بالطول إلا في حال شدَّة ، كما قال النابغة:
كِــلِينِي لِهَــمٍّ يَـا أُمَيْمَـةَ نَـاصِبِ
وَلَيْــلٍ أُقَاسِــيهِ بَطِـيء الكَـوَاكِبِ (45)
فإنما وصفها عَمْرٌو بالطول ، لشدة مكروهها على أعداء قومه . ولا وجه لذلك غيرُ ما قلت.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
20567- حدثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ قال ، حدثنا فُضَيْل بن عِيَاض ، عن ليث ، عن مجاهد:( وذكرهم بأيام الله ) ، قال:بأنْعُم الله.
20568- حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن عُبَيْدٍ المُكْتِب ، عن مجاهد:( وذكرهم بأيام الله ) ، قال:بنعم الله. (46)
20569- حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثناسفيان ، عن عبيدٍ المُكْتِب، عن مجاهد ، مثله.
20570- حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا عبثر ، عن حصين ، عن مجاهد ، مثله. (47)
20571- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسىح وحدثني الحارث قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا ورقاء جميعًا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد:( بأيام الله ) قال:بنعم الله.
20572- حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله.
20573- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
20574- حدثني المثنى قال ، أخبرنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد:( وذكرهم بأيام الله ) قال:بالنعم التي أنعم بها عليهم ، أنجاهم من آل فرعون ، وفَلَق لهم البحر ، وظلَّل عليهم الغمَام ، وأنـزل عليهم المنَّ والسَّلوَى.
20575-حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا حبيب بن حسان ، عن سعيد بن جبير:( وذكرهم بأيام الله ) قال:بنعم الله. (48)
20576- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة:( وذكرهم بأيام الله ) يقول:ذكرهم بنعم الله عليهم.
20577- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة:( وذكرهم بأيام الله ) قال:بنعم الله.
20578- حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قول الله:( وذكرهم بأيام الله ) قال:أيامُه التي انتقم فيها من أهل مَعاصيه من الأمم خَوَّفهم بها ، وحذَّرهم إياها ، وذكَّرهم أن يصيبهم ما أصابَ الذين من قبلهم.
20579- حدثني المثنى قال ، حدثنا الحِمَّاني قال ، حدثنا محمد بن أبان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس. عن أبيّ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم:( وذكرهم بأيام الله ) ، قال:نعم الله . (49)
20580- حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عبيد الله أو غيره ، عن مجاهد:( وذكرهم بأيام الله ) قال:بنعم الله.
* * *
( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) ، يقول:إن في الأيام التي سلفت بنِعَمِي عليهميعني على قوم موسى(لآيات )، يعني:لعِبرًا ومواعظ (50) (لكل صبار شكور) ،:يقول:لكل ذي صبر على طاعة الله ، وشكرٍ له على ما أنعم عليه من نِعَمه. (51)
20581- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، في قول الله عز وجلّ:( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) قال:نعمَ العبدُ عَبْدٌ إذا ابتلى صَبَر ، وإذا أعْطِي شَكَر.
-------------------------
الهوامش:
(39) انظر تفسير "الآية "فيما سلف من فهارس اللغة ( أيي ) .
(40) هذه أول مرة يستعمل رمز ( ح ) في هذه المخطوطة . وهو اصطلاح للمحدثين وغيرهم ، يراد به:تحويل الإسناد ، أي رواية الأثر بإسناد آخر قبل تمام الكلام .
(41) هذه أول مرة يستعمل رمز ( ح ) في هذه المخطوطة . وهو اصطلاح للمحدثين وغيرهم ، يراد به:تحويل الإسناد ، أي رواية الأثر بإسناد آخر قبل تمام الكلام .
(42) في المطبوعة:"أي ادعهم "، أساء التصرف ، وأراد:أن ادعهم ، ليخرجوا من الضلالة إلى الهدى ، فحذف واختصر .
(43) من قصيدته البارعة المشهورة ، انظر شرح القصائد السبع لابن الأنباري:388 .
(44) هذا قول أبي عبيدة بلا شك عندي ، نقله عنه بنصه ابن الأنباري في شرح السبع الطوال:389 ، من أول الصفحة ، إلى السطر السابع ، مع اختلاف في ترتيب الأقوال . و هو بلا شك أيضًا من كتابه "مجاز القرآن "، بيد أني لم أجده في المطبوعة 1:335 ، في تفسير هذه السورة ، ولا في مكان غير هذا المكان . وأكاد أقطع أن نسخة مجاز القرآن ، قد سقط منها شيء في أول تفسير "سورة إبراهيم "كما تدل عليه تعليقات ناشره الأخ الفاضل الأستاذ محمد فؤاد سزكين . فالذي نقله الطبري غير منسوب ، والذي نقله ابن الأنباري منسوبًا إلى أبي عبيدة ، ينبغي تنزيله في هذا الموضع من الكتاب . والحمد لله رب العالمين . وانظر ما سيأتي:535 ، تعليق:4 .
(45) ديوانه:42 ، مطلع قصيدته النابغة ، في تمجيد عمرو بن الحارث الأعرج ، حين هرب إلى الشأم من النعمان بن المنذر ، وسيأتي البيت في التفسير بعد 14:15 / 23:106 ( بولاق ) .
(46) الأثر:20568 - "إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد "، شيخ الطبري ، سلفت ترجمته رقم:2418 ، مثل هذا الإسناد . وانظر رقم:1962 ، 13899 .
و "عبيد المكتب "، هو "عبيد بن مهران الكوفي "، ثقة ، أخرج له مسلم ، سلف برقم:2417 ، وفيه ضبط "المكتب ".
(47) الأثر:20570 - "عبثر "، هو "عبثر بن القاسم الزبيدي "، "أبو زبيد الكوفي "، روى له الجماعة ، سلفت ترجمته برقم:12336 ، 13255 ، وانظر:12402 ، 17106 ، 19995 .
(48) الأثر:20575 - "حبيب بن حسان "، هو و "حبيب بن أبي الأشرس ". و "حبيب بن أبي هلال "، منكر الحديث ، متروك ، سلف برقم:16528 .
(49) الأثر:20579 - "الحماني "( بكسر الحاء وتشديد الميم ) ، هو "يحيي بن عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني "، متكلم فيه ، ووثقه يحيي بن معين . وانظر ما قاله أخي السيد أحمد رحمه الله في توثيقه فيما سلف رقم:6892 .
و "محمد بن أبان بن صالح بن عمير الجعفي "، متكلم في حفظه ، سلف برقم:2720 ، 11515 ، 11516 .
و "أبو إسحق "، هو السبيعي ، مضى مرارًا .
هذا إسناد أبي جعفر . وقد رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائده على مسند أبيه ( المسند 5:122 ) ، وإسناده:
"حدثنا عبد الله ، حدثني أَبي ، حدثنا يحيى بن عبد الله ، مولى بني هاشم ، حدثنا محمد بن أبان الجعفيّ ، عن أَبي إِسحق ، عن سعيد بن جبير ..."
و "يحيى بن عبد الله ، مولى بني هاشم "، هو "يحيى بن عبدويه ، مولى عبيد الله ابن المهدي "، متكلم فيه ، سئل عنه يحيى بن معين فقال:هو في الحياة ؟ فقالوا:نعم . فقال:كذاب ، رجل سوء . وروى الخطيب في تاريخ بغداد أن أحمد بن حنبل حث ولده عبد الله على السماع من يحيى بن عبدويه ، وأثنى عليه . مترجم في ابن أبي حاتم 4 / 2 / 173 ، وتاريخ بغداد 14:165 ، وتعجيل المنفعة:443 ، وميزان الاعتدال 3:296 .
وهذا الخبر نقله ابن كثير في تفسيره:5:545 ، عن المسند ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 4:70 ، وزاد نسبته إلى النسائي ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان .
وقد روى عبد الله بن أحمد في المسند 5:122 قال:"حدثنا أبو عبد الله العنبري ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا محمد بن أبان ، عن أبي إسحق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس عن أبي ، نحوه ولم يرفعه ".
قال ابن كثير ، وأشار على هذا الخبر:"ورواه عبد الله بن أحمد أيضًا موقوفًا ، وهو أشبه ".
قلت:ومدار هذه الأسانيد على "محمد بن أبان الجعفي "، وقد قيل في سوء حفظه وضعفه ما قيل .
(50) انظر تفسير "الآية "فيما سلف من فهارس اللغة ( أيي ) .
(51) انظر تفسير "الصبر "فيما سلف 13:35 ، تعليق:4 ، والمراجع هناك .
وتفسير "الشكر "فيما سلف 3:212 ، 213 .