قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم:واذكر ، يا محمد ، إذ قال موسى بن عمْران لقومه من بني إسرائيل:( اذكروا نعمة الله عليكم ) ، التي أنعم بها عليكم ( إذ أنجاكم من آل فرعون ) ، يقول:حين أنجاكم من أهل دين فرعون وطاعته (1) ( يسومونكم سوء العذاب ) ، أي يذيقونكم شديدَ العذاب (2) ( ويذبحون أبناءكم ) ، مع إذاقتهم إياكم شديد العذاب [ يذبحون] أبناءكم . (3)
* * *
وأدْخلت الواو في هذا الموضع ، لأنه أريد بقوله:( ويذبحون أبناءكم ) ، الخبرُ عن أن آل فرعون كانوا يعذبون بني إسرائيل بأنواع من العذاب غير التذبيح وبالتذبيح. وأما في موضعٍ آخر من القرآن ، فإنه جاء بغير الواو:يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ[سورة البقرة:49] ، في موضع ، وفي موضعيُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ[سورة الأعراف:141]، ولم تدخل الواو في المواضع التي لم تدخل فيها لأنه أريد بقوله:( يذبحون ) ، وبقوله:( يقتلون ) ، تبيينه صفات العذاب الذي كانوا يسومونهم . وكذلك العملُ في كل جملة أريد تفصيلُها ،فبغير الواو تفصيلها ، وإذا أريد العطف عليها بغيرها وغير تفصيلها فبالواو. (4)
* * *
20582- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، في قوله:( وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم ) ، أيادي الله عندكم وأيامه. (5)
* * *
وقوله:( ويستحيون نساءكم ) ، يقول:ويُبقون نساءكم فيتركون قتلهن ، وذلك استحياؤهم كَان إياهُنَّوقد بينا ذلك فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع (6)ومعناه:يتركونهم والحياة ، (7) ومنه الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"اقْتُلُوا شُيوخَ المشركين وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ"، (8) بمعنى:استبقُوهم فلا تقتلوهم.
* * *
( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) ، يقول تعالى:وفيما يصنعُ بكم آلُ فرعون من أنواع العذاب ، بلاءٌ لكم من ربكم عظيمٌ ، أي ابتلاء واختبارٌ لكم ، من ربكم عظيم. (9) وقد يكون "البلاء "، في هذا الموضع نَعْماء ، ويكون:من البلاء الذي يصيب النَّاس من الشدائد . (10)
----------------------
الهوامش:
(1) انظر تفسير "الإنجاء "فيما سلف 15:53 ، 194 ، 195 .
(2) انظر تفسير "السوم "فيما سلف 2:40 / 13 ، 85 ، ثم مجاز القرآن لأبي عبيدة 1:335 .
وتفسير "سوء العذاب "فيما سلف 2:40 / 13:85 .
(3) من أول قوله:"مع إذاقتهم ... "ساقط من المطبوعة . و "يذبحون "التي بين القوسين . ساقطة من المطبوعة .
(4) في المطبوعة:"فالواو "، لم يحسن قراءة المخطوطة .
(5) الأثر:20582 - "عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدي "، سلف برقم:9914 ، 11622 ، وقد أطلت الكلام في نسبه ، في جمهرة أنساب قريش للزبير بن بكار 1:449 ، تعليق:1 ، ويزاد عليه:الانتقاء لابن عبد البر:104 ، وأول مسند الحميدي ، الذي طبع في الهند حديثًا .
(6) انظر تفسير "الاستحياء "فيما سلف 2:41 - 48 / 13:41 ، 85 .
(7) في المطبوعة:"يتركونهم "والحياة هي الترك "، زاد "هي الترك "بسوء ظنه .
(8) هذا الخبر رواه أحمد في مسنده في موضعين 5:12 ، 20 في مسند سمرة بن جندب ، من طريق أبي معاوية ، عن الحجاج ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرةثم طريق هشيم ، عن حجاج ابن أرطأة ، عن قتادة ، ومن هذه الثانية قال:"واستبقوا شرخهم ".
ورواه أبو داود في سننه 3:73 ، من طريق سعيد بن منصور ، عن هشيم، عن حجاج .
ورواه الترمذي في أبواب السير ، "باب ما جاء في النزول على الحكم "، من طريق أبي الوليد الدمشقي ، عن الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة . وقال:"هذا حديث حسن غريب ، ورواه الحجاج بن أرطاة عن قتادة نحوه ". وفيه:"واستحيوا ". ثم قال:"والشرخ:الغلمان الذين لم ينبتوا ".
وقال عبد الله بن أحمد ( المسند 5:12 ):"سألت أبي عن تفسير هذا الحديث:اقتلوا شيوخ المشركين ؟ قال:يقول:الشيخ لا يكاد أن يسلم ، والشاب ، أي يسلم ، كأنه أقرب إلى الإسلام من الشيخ . قال:الشرخ ، الشباب ".
(9) انظر تفسير "البلاء "فيما سلف 15 ، 250 ، تعليق:4 ، والمراجع هناك .
(10) في المطبوعة:"وقد يكون معناه من البلاء الذي قد يصيب الناس في الشدائد وغيرها "، زاد في الجملة ما شاء له هواه وغير ، فأساء غفر الله له .