قال أبو جعفر:يقول جل ثناؤه:واذكروا أيضًا حين آذنكم رَبُّكم.
* * *
و "تأذن "، "تفعَّل "من "آذن ". والعرب ربما وضعت "تفعَّل "موضع "أفعل "، كما قالوا:"أوعدتُه ""وتَوعَّدته "، بمعنى واحد . و "آذن "، أعلم ، (11) كما قال الحارث بن حِلِّزة:
آذَنَتْنَــــا بِبَيْنِهَــــا أَسْـــمَاءُ
رُبَّ ثَــاوٍ يُمَــلُّ مِنْــهُ الثَّــوَاءُ (12)
يعني بقوله:"آذنتنا "، أعلمتنا.
* * *
وذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ:( وإذ تأذن ربكم ):"وَإِذْ قَالَ رَبُّكُمْ ":-
20583- حدثني بذلك الحارث قال ، حدثني عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش عنه. (13)
20584- حدثني يونس قال:أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله:( وإذ تأذن ربكم ) ، وإذ قال ربكم ، ذلك "التأذن ".
* * *
وقوله:( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، يقول:لئن شكرتم ربَّكم ، بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم ، لأزيدنكم في أياديه عندكم ونعمهِ عليكم ، على ما قد أعطاكم من النجاة من آل فرعون والخلاص مِنْ عذابهم.
* * *
وقيل في ذلك قولٌ غيره ، وهو ما:-
20585- حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا الحسين بن الحسن قال ، أخبرنا ابن المبارك قال ، سمعت علي بن صالح ، يقول في قول الله عز وجل:( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال:أي من طاعتي.
20586- حدثنا المثنى قال ، حدثنا يزيد قال ، أخبرنا ابن المبارك قال:سمعت علي بن صالح ، فذكر نحوه.
20587- حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان:( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال:من طاعتي.
20588- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا مالك بن مغول ، عن أبان بن أبي عياش ، عن الحسن ، في قوله:( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال:من طاعتي.
* * *
قال أبو جعفر:ولا وجهَ لهذا القول يُفْهَم ، لأنه لم يجرِ للطاعة في هذا الموضع ذكرٌ فيقال:إن شكرتموني عليها زدتكم منها ، وإنما جَرَى ذكر الخبر عن إنعام الله على قوم موسى بقوله:وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، ثم أخبرهم أن الله أعلمهم إن شكروه على هذه النعمة زادهم . فالواجب في المفهوم أن يكون معنى الكلام:زادهم من نعمه ، لا مما لم يجرِ له ذكر من "الطاعة "، إلا أن يكون أريد به:لئن شكرتم فأطعتموني بالشكر ، لأزيدنكم من أسباب الشكر ما يعينكم عليه ، فيكون ذلك وجهًا.
* * *
وقوله:( ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ، يقول:ولئن كفرتم ، أيها القوم ، نعمةَ الله ، فجحدتموها بتركِ شكره عليها وخلافِه في أمره ونهيه ، وركوبكم معاصيه ( إن عَذَابي لشديد ) ، أعذبكم كما أعذب من كفر بي من خلقي.
* * *
وكان بعض البصريين يقول في معنى قوله:( وإذ تأذن ربكم ) ، وتأذّن ربكم:ويقول:"إذ "من حروف الزوائد ، (14) وقد دللنا على فساد ذلك فيما مضى قبل. (15)
-------------------------
الهوامش:
(11) انظر تفسير "أذن "فيما سلف 13:204 ، ثم تفسير "الإذن "فيما سلف من فهارس اللغة . ثم انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1:345 .
(12) مطلع طويلته المشهورة ، انظر شرح القصائد السبع لابن الأنباري:433 .
(13) الأثر:20583 - "الحارث "، هو "الحارث بن أبي أسامة "منسوبًا إلى جده ، وهو "الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي "، شيخ الطبري ، ثقة ، سلف مرارًا آخرها رقم:14333.
و "عبد العزيز "، هو "عبد العزيز بن أبان الأموي "، كذاب خبيث يضع الأحاديث ، مضى مرارًا كثيرة آخرها رقم 14333 .
(14) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1:345 .
(15) انظر ما سلف 1:439 - 444 ويزاد في المراجع ص:439 ، تعليق:1 أن قول أبي عبيدة هذا في مجاز القرآن 1:36 ، 37 .