وقد ذكر سبحانه وتعالى بعض أسباب الرزق فقال تعالى كلماته:
{ وأرسلنا الرياح لواقع فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ( 22 )} .
أرسلها أطلقها ، والرياح بالجمع ، ولواقح لاقحة ، وفي تفسير لاقحة نظران أحدهما – أنها محملة بالماء أو مثيرة للسحاب المحملة بالماء ، كما قال تعالى:{. . .وينشئ السحاب الثقال ( 12 )} [ الرعد] ، وكأنها شبهت بالحامل لإثمارها وإنجابها ؛ وذلك لأن المطر يتكون من بخار الماء ، ويتكاثف حتى يصير سحابا ، والرياح تحرك هذه السحب من مكان إلى مكان تصادف جوا باردا ، فتنزل أمطارا ، ويزكى ذلك النظر قوله تعالى:{ فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين} فذكر الماء بعد ذلك دليلا على أنها تثير السحاب المملوء بالماء ، وذلك ما سوغ صفها باللواقح . والنظر الثاني – أن تكون الرياح حاملة بذور التلقيح للأشجار فهي تحمل بذور الذكورة أو الأنوثة ، وعندى أن النظرين يمكن الجمع بينهما ، إذ لا تعارض ، فالرياح لواقح باعتبارها حاملة أسباب اللقاح ، كما يلقح فحل الحيوان أنثاه ، وباعتبارها مثيرة للسحاب الثقال المملوءة ماء ، وينزله الله تعالى حيثما أراد وفي أي أرض شاء ، فإنه لا تخرج حركة عن حركة إلا بإذنه .
وقوله تعالى:{ فأنزلنا من السماء ماء} ، ( الفاء ) هنا لبيان أن ما بعدها سببا لما قبلها ، أي أنه بسبب هذه الإثارة التي أثارتها الرياح أنزل سبحانه وتعالى الماء من السماء ، ليسقى الزرع والغراس ، والأعشاب التي يكون منها طعام الإنسان والحيوان ، وكل ما يدب على ظهر الأرض .
والسببية هنا ليست سببية فاعلة أو باعثة إنما هي سببية اقتران ، و ( جعل ) ، أي جعل الله تعالى هذا سببا{ فأسقيناكموه} ، ( الفاء ) عاطفة على ( أنزلنا ) ، وجعل الخطاب بالسقي للناس مع أنه لسقي ما عدا الإنسان هو للإنسان في غايته ونهايته ، فكان الإسقاء للإنسان في الابتداء والانتهاء ، ولكنه يكفر بنعم الله تعالى:{. . .إن الإنسان لظلوم كفار ( 34 )} [ إبراهيم] ثم قال تعالى:{ وما أنتم له بخازنين} ( الباء ) في قوله تعالى:{ بخازين} لاستغراق النفي ، أي أنتم ليس لكم أي عمل في خزن هذا الماء في السحاب ، وكأنه شبه السحاب بمخزن للماء خزن فيها ؛ إذ يخرج من الأرض بخارا ثم يتكاثف فيها ثم يوزعه سبحانه وتعالى في الأرض بتصريف الرياح ، أي ليس أحد منكم معشر الناس بخازن هذا الماء ومصرف الرياح به وموزعه في كل بلد حسب حاجته ، وحسب عطاء الله تعالى به ، سبحانه إنه هو الخلاق العليم .