العبرة بمن كانوا قبلهم
يضرب الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم الأمثال بحال المشركين الذين كفروا بالرسل ، ودبروا التدبيرات ليمنعوا الرسل من تبليغ رسلات ربهم ، كما يبين للمشركين الذين يعاندون النبي يصلى الله عليه وسلم ، ويكفرون بالله ويدبرون التدابير لمنع الدعوة من أن تسرى ، حتى أنهم يسدون السبل على مكة فيلتقون بالركبان ، ويصدونهم عن سبيل الله ، فقال تعالى:{ قد مكر الذين من قبلهم} ، أي دبروا الأمور لنقض الدعوة ، وأحكموا تدبيرهم على الناس ، وسدوا كل مسالك الهداية ليضلوهم وكادوا لأهل الإيمان كيدا ، ظنوا معه أنهم قضوا على الدعوة ، واقتلعوها ، ولكن الله تعالى أفسد عليهم تدبيرهم ورد كيدهم في نحورهم ، وأن ما بنوه دمره الله تعالى ، وللكافرين أمثالها ، فقال تعالى:{ فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم} وإن هذا الكلام فيه استعارة تمثيلية إذ شبه الله تعالى حالهم بحال من بنوا صرحا وشيدوه ، وأقاموا قواعده على عمد وأسطوانات ، وأحكموا بنيانه حاسبين أنه يبقى على مدى الأزمان ، ولكن أتى الله تعالى بنيانهم بأمر من قواعدها ، فتداعت وانهارت فصارت هباء منبثا ، فخر عليهم السقف من فوقهم ، وماتوا تحت أنقاضه ، وبذلك كان ما بنوه للحياة ومتعها ، وتدبير الأمور للحق صار عليهم وبالا ، وسببا لهلاكهم وأتاهم العذاب به ؛ ولذا قال تعالى:{ وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} ، أي أتاهم من المكان الذي يشعرون أن فيه مأمنهم فكان فيه مهلكهم وفناؤهم .
وهذا يذكر المشركين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بأن ما يدبرونه ضد النبي صلى الله عليه وسلم من تدبير يريدونه به إخفاقهم لهم سيكون من عوامل نصره ، وإن الله محيط بهم ، وبما يدبرون .