وإن الذين قالوا هذا القول مضلين عن سبيل الله تعالى أيا كان السائل لهم الذي أجابوه ، قد ضلوا في ذات أنفسهم ، وأضلوا غيرهم ؛ ولذا يتحملون وزرهم كاملا ويتحملون من أوزار الذين أضلوهم بغير علم ، فقال تعالى:{ ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ( 25 )} .
اللام لام التعليل ، وتكون العلة هي قولهم أساطير الأولين ، أي قالوا ذلك ليحملوا أوزارا ، والظاهر أن اللام لام العاقبة ، وهو ما نراه ، أي قالوا ما قالوا وصدوا عن سبيل الله لتكون العاقبة أن يحملوا أوزارهم كاملة وأوزار من أوزار من ضلوهم".
والوزر:الحمل الثقيل ، وفيه إشارة إلى أنه حمل ثقيل كله أوزار وآثام كما قال تعالى:{ وليحملن أثقالهم مع أثقالهم . . .( 13 )} [ العنكبوت] ، وقوله تعالى:{ يوم القيامة} فيه إشارة إلى أن هذه الأوزار مآلها عذاب دائم أليم ؛ لأن القيامة دار الجزاء ويحملون جزاء أوزارهم كاملة غير منقوصة في شيء من النقص ، وعبر عن الجزاء بحمل الأوزار للإشارة إلى المساواة بين العقاب والفعل ، حتى كان الذي يحمل الوزر يحمل جزاءه ؛ لأنهما متلازمان ومتساويان .
وقد ذكر سبحانه أنهم يحملون وزرهم كاملا يوم القيامة ، ويحملون من أوزار الذين يضلونهم ، ولذا قال تعالى:{ ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} وقوله تعالى:{ بغير علم} لتحقيق معنى الإضلال ؛ لأن الإضلال عادة يكون لمن لا يعلم ، وقالوا:إن قوله تعالى:{ بغير علم} حال من المفعول في قوله تعالى:{ يضلونهم} ، أي أن ذلك لا يكون إلا بغير علم ، وذلك يزيد في جرمهم جرما ، لأنهم لا يكتفون بضلال ، بل يتعدون به ، فيضلون غير العالمين بحقيقة الدعوة المحمدية ، فيذكرون ضلالهم فيها ، ولا يذكون حقيقتها .
قال سبحانه:{ ومن أوزار الذين يضلونهم} "ومن"هنا بمعنى بعض ، فلا يحملون كل أوزار المضلين ، بل يحملون بعضه ، ويبقى وزر شكرهم ، ذلك أنهم باستجابتهم لهم من غير تبين وتعرف ، قد وزروا في ذات أنفسهم ، إذ أنهم كان عليهم أن يبحثوا ويتعرفوا الحق ، وقد بلغوه ، وعلموه بأمره ، فما كان لهم أن يكتفوا بكلام أعداء محمد صلى الله عليه وسلم ، بل كان عليهم أن يتعرفوا الحق من مصدره ، وألا يكتفوا بالمعرفة من خصومه ، وإن الإضلال يتضمن أمرين:أحدهما إيجابي ، وهو المضل ، والثاني استجابة المضلل ، فبهذه الاستجابة يحاسبون .
وإن هذه الأوزار التي حملها المضلون كاملة لأنفسهم ، وحملوا معها بعض أوزار الذين أضلوهم هي أسوأ ما يحمل الضالون والمضلون لأنها عذاب أليم ، ولذا نبه سبحانه إلى عظم هذه الأوزار فقال تعالى:{ ألا ساء ما يزرون} و{ ألا} أداة تنبيه لبيان أن هذا الحكم الذي يليها ثابتا ثبوتا مؤكدا و{ ساء} فيها معنى التعجب ، ومعناها ما أسوأ ما يحملون من أوزار ؛ لأنها عذاب مقرر ثابت ، وعبر عن هذا العذاب بقوله تعالى:{ ما يزرون} لما في الوزر والعذاب من توافق كامل ، وتساور بينهما على ما بينا ، والله تعالى أعلم .