/م24
ثم أبان الله تعالى وجود الشبه ،بين الكفار القدامى والجدد ،في الجرم والعقاب فقال:{قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} .
المفردات:
قد مكر الذين من قبلهم: وهو نمروذ بن كنعان ،بنى صرحا طويلا ببابل ،سمكه خمسة آلاف ذراع ؛ليصعد منها إلى السماء ؛ليقاتل أهلها .
والمكر: صرف غيرك عما يريده بحيلة ،ويراد به هنا: مباشرة الأسباب وترتيب المقدمات ،والمقصود بالآية: المبالغة في وصف وعيد أولئك الكفار ،وأن هلاكهم محقق كما حدث لمن قبلهم .
فأتى الله بنيانهم من القواعد: أهلكه وأفناه ،فأرسل عليه الريح والزلزلة ؛فهدمته من الأساس ،كما يقال:أتى عليه الدهر .
القواعد:الدعائم والعمد والأساس ،واحدها: قاعدة .
خرّ:سقط .
السقف من فوقهم:أي: وهم تحته .
وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون: من جهة لا تخطر ببالهم ،أي: من جهة لا يحتسبونها ولا يتوقعونها ،وقيل: هذا تمثيل لإفساد ما أبرموه من المكر بالرسل .
التفسير:
أكثر المفسرون على:أن المراد بهذه الآية ، هو:نمروذ بن كنعان ،بنى صرحا عظيما ببابل طوله خمسة آلاف ذراع ،ويمكن أن تكون الآية عامة في كل ظالم مكابر ،مثل قوم هود وقوم صالح وقوم لوط وقوم فرعون .. قال تعالى:{وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون} . ( الأنعام:123 ) .
وفي الآية تشبيه هيئة القوم الذين مكروا في المنعة فأخذهم الله بسرعة ،وأزال تلك العزة ؛بهيئة قوم أقاموا بنيانا عظيما ذا دعائم ،وآووا إليه فاستأصله الله من قواعده ،فخر سقف البناء دفعة على أصحابه فهلكوا جميعا ،فهذا من أبدع الاستعارات التمثيلية ؛لأنها تنحل إلى عدة استعارات .
جاء في التفسير المنير:
أي:قد كاد لدين الله ورسله من تقدمهم من الأمم ، واحتالوا بمختلف الوسائل ؛لإطفاء نور الله ؛فأهلكهم الله تعالى في الدنيا ،بأن دمر مبانيهم من قواعدها ،وسقط عليهم السقف من فوقهم ،وأبطل كيدهم ،وأحبط أعمالهم ،وأطبق عليهم العذاب من كل جانب ،ومن حيث لا يحسون بمجيئه ولا يتوقعون ،فإن الأخذ فجأة أشد نكاية ؛لما يصحبه من الرعب الشديد ،فاعتبروا يا أهل مكة وأمثالكم ،وهذا كله تمثيل لصورة العذاب ومضمونه: إهلاكهم من الله تعالى:15 .
وخلاصة ذلك:أن الله أحبط أعمالهم ،وجعلها وبالا عليهم ،ونعمة منهم .