وإن هذا عذاب الدنيا للمشركين ، وقد تبين في عاد وثمود ، ومدين ، وفرعون وملئه ، ثم يوم القيامة يكون الخزي والجزاء ؛ ولذا قال تعالى:
{ ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ( 27 )} .
{ ثم} هنا في معناها ، وهو الترتيب والتراخي ، وهو هنا بمعنى الإمهال من غير إهمال ، وذلك يطوى في نفسه التهديد والإنذار وهو في ذاته وعيد بالخزي يوم القيامة ، وقوله تعالى:{ يخزيهم} بإسناد الفعل إلى الله تعالى فيه تعظيم لذلك الخزي ، وذلك الخزي يشمل فضيحتهم على الأشهاد ، لتذهب الكبرياء الآثم ، وتشمل الذل بعد الاستكبار ، وتشمل العذاب ؛ لأن العذاب خزي في ذاته ، كما قال تعالى:{ ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما لظالمين من أنصار ( 192 )} [ آل عمران] وقد كان من إخزاء الله لهم أن كشف حالهم مع الأوثان التي أشركوها في العبادة مع الله تعالى ، وأنها لا شيء وأنها تهرب منهم ، ولا تجد لها مهربا ؛ ولذا قال لهم:{ أين شركائي الذي كنتم تشاقون فيهم} .
وهنا نلاحظ ثلاثة أمور بيانية:
الأمر الأول – إضافة الشركاء إليه سبحانه وتعالى هو من باب الإضافة لأرق ملابسة إذ هم قد عبدوها مع الله تعالى ، فجعلوها لله شركاء بزعمهم ، فكانت الإضافة أخذا بهذا الزعم تبكيتا لهم ، إذ كيف يكون المخلوق شريكا للخالق ، وكيف تكون الحجارة التي لا تنفع ولا تضر شريكة للنافع الضار ، رب السموات والأرض ، والحس القيوم القائم على كل ما ف هذا الوجود .
الأمر الثاني – في قول تعالى:{ الذين كنتم تشاقون فيهم} ، أي تعادون الحق والأنبياء والدعاة المرشدين فيها ، أي تكون في شق والحق في شق ، و ( في ) هنا معناها المحل ، أي محل المشاقة فيها ، فيتنازعون ، حيث لا مكان للمنازعة ؛ لأنها منازعة بين الخالق ، وما هو أدنى المخلوقات ، لأنها حجارة لا تنفع ولا تضر .
الأمر الثالث – أن ثمة قراءة بكسر النون ، والكسر يدل على ياء المتكلم ، أي تشاقونني فيها أي تنازعونني أنا الله الخالق رب الوجود فيها ، ويكون في هذه القراءة معنى آخر جليل ، وهو أن منازعة الرسل منازعة له سبحانه وتعالى .
ولقد شهد عليهم بهذا الخزي رسلهم الذين أرسلوا إليهم وأتباعهم ، والملائكة{ قال الذين أوتوا العلم} ، والذين أوتوا هم النبيون ، فقد أوتوا علم النبوة ، والذين اتبعوهم فقد اقتبسوا من علم النبوة ، والملائكة ، فقد أوتوا علم الرسالات بمقتضى تكوينهم ، فهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
وشهادة أولو العلم:{ إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين} ، أي الخزي والسوء على لكافرين بسبب كفريهم وعنادهم ، ومشاقتهم لله ولرسوله ، وأهل الحق ، وقد قال تعالى فيهم:
{ الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ( 28 )} .