{ الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} هم الكافرون ، فهذه الجملة عطف بيان أو بدل مما قبلها ، وهذا يتضمن حالهم عند الوفاة ، ووصفهم الأصلي الذي أرادهم في الجحيم ، وهو أنهم ظالمون لأنفسهم ، وذلك الظلم بشركهم ، فالشرك في ذاته ظلم ، وهو ظلم للنفس ؛ لأنه انحراف فيها ، وعوج في تكوينها يشبه عوج الأعضاء بعد استقامتها وهو ظلم للعقل والفكر إذ يحطه من عبادة الله إلى عبادة الأحجار ، وهو يؤدى إلى ظلم الأبرار ، والظلم يعود على الظالم ، فمرتعه ونهايته عليه ، فكأنه في الابتداء انتهى إليها .
وقوله تعالى:{ فألقوا السلم} وهو الاستسلام والخضوع والإخبات بعد أن عتوا واستكبروا ، والفاء للتعقيب ، أي أنهم بعد أن توفتهم الملائكة فورا ألقوا السلم والخضوع ، وانتقوا من كبرياء ظلمة إلى ضعة صاغرة مستكينة ، وعبر ب ( ألقوا ) والإلقاء لا يكون إلا للأجسام للإشارة إلى أنهم انحطوا كما تنحط الأجسام من أعلى إلى أسفل ، ونسوا ما كانوا يعملون ، وقالوا:{ ما كنا نعمل من سوء} ، و( من ) لاستغراقهم النفي ، أي ما كنا نعمل أي سوء أنفسهم ونسو أعمالهم لقد زال كبرهم وغطرستهم ، فزالت شخصيتهم الظالمة ، وحسبوا أنهم لم يفعلوا سوءا .
{ بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون} بلى تدل على الإضراب عن قولهم ، والقائل هم الملائكة أو أهل العلم الذين أوتوه من النبيين أو أتباعهم ، وعندي أن القائل هو الله تعالى ، لأنه لم ينسب القول إلى غيره ، وهو القائل المتولى أمرهم ابتداء وانتهاء .
وقد أكد الله تعالى عمله بالوصف وبإن وبالجملة الاسمية وقوله تعالى:{ بما كنتم تعملون} ( ما ) فيه موصولة بمعنى الذي ، أي بالذي كنتم تعملونه ، وهو استحضار لهذا العمل كأنه حاضر مهيأ يرى ، وقوله تعالى:{ كنتم تعملون} ، أي عملكم الذي استمررتم عليه ، ولم تفارقون حتى تستبين به خطاياكم .