وقد بين بعد ذلك العقاب الذي ينتظرهم ، فقال:
{ فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ( 29 )} .
( الفاء ) هنا فاء السببية ، أي أن ما قبلها سبب لما بعدها ، فسبب ظلمهم أنفسهم بما قدموا من ظلم للفطر ، وشرك ، يدخلون النار ، وجاء إدخالهم بصيغة الأمر ، للدلالة على أنهم مجبرون في هذا الدخول لا مخيرون ، وجاء بكلام يدل على أنهم دخلوا ، ولم يقل ( أدخلوا جهنم ) ، للتهكم بهم كأنهم اختاروها ، وإنهم كذلك فقد اختاروها من يوم أن اختاروا الكفر على الإيمان واستكبروا على الحق فلم يؤمنوا به مع قيام بيناته ودلائله .
و{ أبواب جهنم} كناية عن سعتها ، وسهولة الوصول إليها لمن كتبت عليهم وأردوها بأفعالهم ، كما قال تعالى:{ لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ( 44 )} [ الحجر] وإنهم خالدون فيها لا يزيلونها ، وخالدين فيها حال ، والخلود وهو الاستمرار في البقاء بها ، وقد بين سبحانه أنها أسوأ مقام ، فقال:{ فلبئس مثوى المتكبرين} .
و ( الفاء ) للإفصاح عن شرط مقدر ، أي إذا كانوا سيدخلون جهنم خالدين ، فلبئس مثواهم ، و ( اللام ) لتأكيد ذمها ، وظهر في موضع الإضمار ، فقال:{ فلبئس مثوى المتكبرين} ، ولم يقل بئس مثواهم ، للدلالة على أن الكبر عن الحق وعدم الاستماع إليه ، والإصغاء لأهله – هو الذي أودى بهم .
والتعبير بكلمة{ مثوى} وهي الإقامة ، وغالبا ما تكون المختارة ؛ لأنها طيبة من قبيل التهكم بهم .
ولقد قال ابن كثير:إن الآية تدل على أنهم يدخلون النار ، أو يكونون في حرارتها بمجرد قبرهم ، وأنه تكون أرواحهم في عذاب بحرارة جهنم ، حتى يكون البعث فتلتقى الأجسام بالأرواح ، ويكون العقاب ، ويشير إلى ذلك قوله تعالى في آل فروعن:{ النار يعرضون عليها غدوا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ( 46 )} [ غافر] اللهم اغفر لنا ، وجنبنا أسباب النار ، وانظر إلينا يوم لقائك ، وإن لم نكن لذلك أهل .