المتقون
هذه مقابلة بين الإيمان والتقوى ، والكفر والاستكبار ، قيل للمستكبرين ماذا أنزل ربكم قالوا:أساطير الأولين ولنتل الآية السابقة:{ وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ( 24 )} وسئل هذا السؤال نفسه للمتقين ، فقال تعالى:{ وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا} وهذا فرق ما بين التقوى والفجور ، الفاجر لا يهمه أن يقول أو يفحصه ، والمتقى الطيب محب للحق ، ويتحراه ، فإن وجده اطمأن إليه ، واستقام على طريقه .
{ وقيل للذين اتقوا} ، الفاعل المحذوف هنا هو الذي ذكرناه في قوله تعالى:{ وإذا قيل لهم ماذا أنزل قالوا أساطير الأولين ( 24 )} وقد كان الجواب غير الجواب الأول ، وإن كان السؤال واحد بيد أن السؤال هنا للمتقين وهناك "للمستكبرين"كان جواب المتكبرين يتناسب مع ضلالهم ، وكان جواب المتقين{ خيرا} ، أي أنزل خيرا ، وذلك يشمل القرآن وما فيه من شرائع وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من أحكام وشرع صالح فيه خير البشرية ؛ ولذلك نجد الجواب هنا خبرا منصوبا بالفعل ، بينما نجد الجواب في الأولى مرفوعا ، وهو أساطير ، والفرق أن الجواب جواب المؤمنين بالتنزيل ، فيجيبون من غير تلعثم واضطراب ، بينما الجواب في الأولى جواب كافرين بالتنزيل وفيه التواء وتلعثم لأنه باطل ، والباطل دائما لا نور فيه ، ولا انكشاف .
ووصفوا المنزل بأنه خير ، ويشمل القرآن كما ذكرنا والشرائع الإسلامية كلها ، وهي خير فيه صلاح الدنيا والآخرة ، ثم قال تعالى:{. . .للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة . . .( 10 )} [ الزمر] يصح أن تكون هذه الجملة من الله تعالى فيها تتميم جواب الذين اتقوا ، والظاهر أنها من تتمة إجابة المؤمنين وقولهم ، وهم بهذا يرغبون في الإيمان ، ويرغبون في الإحسان ، للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ، أي خصلة حسنة ، وأثر حسن ، فالثمرة من جنس العمل ، فإذا كان العم حسنا كانت الثمرة حسنة ، وهل ينتج الخير إلا خيرا ، وهل ينتج الإحسان إلا إحسانا .
والعمل الصالح ينال به الشخص الخير الحسن ؛ لأنه يكون بنية خالصة ، والإخلاص في ذاته أمر حسن لا يذوقه إلا الذين أخلصوا دينهم لله ولم يدنسوا قلوبهم بفساد ، والإخلاص يدفع إلى الكلم الطيب ، والكلم الطيب يدفع إلى العمل المستقيم والسلوك القويم ، وكل هذا خير ، وإذا كانت متاعب من عمل الخير ، فإن الصبر عليها نعمة وحسنة يشعر بها الأبرار الذين يفتدون الحق بأنفسهم وبالبلاء ينزل بهم .
وقال تعالى:{ ولدار الآخرة خير} ، أي ثواب دار الآخرة ، وإنما أضيف الخير إلى ذات الدار ، لأنها كلها خير ، فلا ينال الطيبون فيه إلا طيبا ، ثم قال تعالى:{ ولنعم دار المتقين} ، ( اللام ) لام التوكيد ، وإنها كل موضع الثناء ، والحمد ، وهي نعم الدار ، وذكر المتقين بالإظهار بدل الإضمار للإشارة إلى أن التقوى هي السبب في هذا الجزاء ، وللدلالة على أن ثواب الآخرة خير للمتقين دون غيرهم .