{*وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين 30 جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين 31 الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون 32} [ 30-32] .
عبارة الآيات واضحة ،وقد احتوت بيانا عن موقف المؤمنين المتقين مما أنزل الله ومن المصير الحسن في الدنيا والآخرة لمن يؤمن ويحسن مقابل البيان عن موقف الكفار جريا على الأسلوب القرآني .
وقد انطوت على ثناء على المؤمنين وتنويه بهم كما انطوت على تشويق بالمصير السعيد الذي يكون لهم ولأمثالهم في الدنيا والآخرة معا .
وتعبيرات{للذين اتقوا} و{للذين أحسنوا} جديرة بالتنويه في مقامها .فهي وإن لم تكن مصروفة إلى المؤمنين فإنها تعني وجوب تلازم الإيمان مع تقوى الله والإحسان ،وأن الدرجة الرفيعة والسعادة الموعودة في الدنيا والآخرة رهن بهذا الالتزام ،والتقوى هي اتقاء الله في اجتناب الآثام والمنكرات والشهوات والجحود والإحسان هو القيام بالواجب نحو الله وعباده وتنفذ أوامره على أوفى وجه وأتمه وأفضله .وكل هذا جدير بتحقيق تلك الدرجة والسعادة الموعودة في الدارين من دون ريب ،وفي هذا ما فيه من تلقين جليل مستمر المدى .
ولقد روى الطبري في سياق الآية [ 26] عن السدي أنها تعني: بختنصر أو نمرود وما كان من مكرهم ،وما كان تدمير الله لهم ،وأنه كان من مكر نمرود أن أخذ أربعة أفراخ من فراخ النسور فرباهن باللحم والخبز حتى كبرن وغلظن واستعلجن فربطهن في تابوت وقعد فيه ،ثم رفع لهن لحما فطرن ،حتى إذا ذهبن في السماء أشرف ينظر إلى الأرض ،فرأى الجبال تدب كدبيب النمل ،ثم رفع لهن اللحم ثم نظر فرأى الأرض ومحيطاتها بحركاتها فلكة في ماء ،ثم رفع طويلا فوقع في ظلمة فلم ير ما فوقه وما تحته ،وكان يقصد أن يطلع على الله الذي حدثه عنه إبراهيم ففزع فألقى اللحم فاتبعته النسور منقضات ،فلما نظرت الجبال إليهن وقد أقبلن منقضات وسمعت حفيفهن فزعت الجبال وكادت أن تزول من أمكنتها ولم يفعلن فكان هذا المكر .
وروي عن ابن مسعود أن المكر هو صرح شيده نحو السماء ،ثم ارتقى فوقه لينظر إلى إله إبراهيم فأخذ الله بنيانه من القواعد فخر عليه السقف فسقط فتبلبلت ألسن الناس يومئذ من الفزع فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا ،وسميت بابل باسمها لذلك .
وواضح ما في هذا من خيال يقارب في مداه سفينة الفضاء اليوم ،ولعل هذه القصة مما كان يرويه اليهود للعرب فيتداولونه عنهم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبيئته ،ولسنا نرى أي تناسب بين هذه الرواية والعبارة القرآنية في مقامها التي يتبادر أنها بسبيل وصف ما كان من مناوأة الكفار السابقين لأنبيائهم وما كان من تدمير الله لهم ليكون في ذلك إنذار لكفار العرب وهو ما تضمنته آيات عديدة مرت في سور سابقة .وكل ما في الأمر أن حكمة التنزيل اقتضت أن يكون التعبير عن ذلك بالصيغة التي جاءت عليها الآية .