التّفسير
عاقبة المتقين والمحسنين:
قرأنا في الآيات السابقة أقول المشركين حول القرآن وعاقبة ذلك ،والآن فندخل مع المؤمنين في اعتقادهم وعاقبته ..فيقول القرآن: ( وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً ) .
وروي في تفسير القرطبي: كان يرد الرجل من العرب مكّة في أيّام الموسم فيسأل المشركين عن محمّد( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيقولون: ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون ..
ويسأل المؤمنين فيقولون: أنزل اللّه عليه الخير والهدى .
ما أجمل هذا التعبير وأكمله «خيراً » خير مطلق يشمل كل: صلاح ،سعادة ،رفاه ،تقدم مادي ومعنوي ،خير للدنيا والآخرة ،خير للإِنسان الفرد والمجتمع ،وخير في: التربية والتعليم ،السياسة والاقتصاد ،الأمن والحرية ...والخلاصة: خير في كل شيء ( لأنّ حذف المتعلق يوجب عموم المفهوم ) .
وقد وصفت الآيات القرآنية القرآن الكريم بأوصاف كثيرة مثل: النّور ،الشفاء ،الهداية ،الفرقان ( يفرق الحق عن الباطل ) ،الحق ،التذكرة ،وما شابه ذلك ..ولكن في هذه الآية وردت صفة «الخير » التي يمكن أن تكون مفهوماً عاماً جامعاً لكل تلك المفاهيم الخاصة .
والفرق واضح في نعت القرآن بين المشركين والمؤمنين ،فالمؤمنون قالوا: «خيراً » أي أنزل اللّه خيراً ،وبذلك يظهر اعتقادهم بأنّ القرآن وحي إِلهي{[2072]} .
بينما نجد المشركين عندما قيل لهم ماذا أنزل ربّكم ؟قالوا: ( أساطير الأولين ) وهذا إِنكار واضح لكون القرآن وحي إِلهي{[2073]} .
وتبيّن الآية مورد البحث نتيجة وعاقبة ما أظهره المؤمنون من اعتقاد ،كما عرضت الآيات السابقة عاقبة ما قاله المشركين من عقاب دنيوي وأخروي ،ومادي ومعنوي مضاعف: ( للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ) .
وقد أطلق الجزاء بال «حسنة » كما أطلقوا القول «خيراً » ،ليشمل كل أنواع الحسنات والنعم في الحياة الدنيا ،بالإِضافة إلى: ( ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين ) .
وتشارك عبارة «نعم دار المتقين » الإِطلاق مرّة أُخرى وكلمة «خيراً » ،لأنّ الجزاء بمقدار العمل كمّاً وكيفاً .
فيتّضح لنا ممّا قلنا إنّ الآية ( للدين أحسنوا ) إلى آخرها تعبر عن كلام اللّه عزَّ وجلّ ،ويقوى هذا المعنى عند مقابلتها مع الآيات السابقة .
واحتمل بعض المفسّرين أنّ الظاهر من الكلام يتضمّن احتمالين:
الأوّل: أنّه كلام اللّه .
الثّاني: أنّه استمرار لقول المتقين .