وعدل الله في حكمه أن جعل ذلك الكفر بالنعمة في بعض منهم ، وليس في كلهم ، وهم أولئك المشركون بمحمد ، وقد أشار إلى أن هؤلاء ليسوا بكثرة الناس ، ولكن دون الكثرة .
{ وليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ( 55 )} .
اللام هنا لام الأمر ، كاللام في قوله تعالى:{. . .ليقض علينا ربك ( 77 )} [ الزخرف] والأمر هنا معناه التهديد ، ووصف أفعالهم بأنها سيئة ، ومن أشرك بربه بعد نعمته التي أنعمها عليه بأن يؤمر في غيه ، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم ، "إذا لم تستح فاصنع ما شئت"{[1386]} ، فالأمر ليس للطلب ، ولكن لبيان أنهم قد فسدت فطرتهم وضلت عقولهم ، حتى صاروا جديرين بألا يكون منهم إلا الشر .
أو نقول:اللام للعاقبة ، ويكون المعنى لتكون العاقبة بأنهم كفروا بما آتيناهم من حق ، كتاب مبارك لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وإذا كانوا على ذلك النحو من الفساد والضلال النفسي فجدير أن يتمتعوا كما تتمتع البهائم من غير تفكر ولا تدبر ؛ ولذا{ فتمتعوا} ( الفاء ) للإفصاح إذا كنتم على هذا الضلال وكفران النعمة ، والإشراك بربكم{ فتمتعوا} والأمر للتهديد ، وقوله تعالى:{ فسوف تعلمون} ( الفاء ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، أي فيها بيان لما يستقبلهم ، وسوف لتأكيد الفعل في المستقبل ، أي إذا كنتم في حاضركم متمتعين بما تملكون مع متع ، فمستقبلكم المغيب عنكم ستعلمونه علم معاينة وهو عذاب شديد ، فقوله تعالى:{ فسوف تعلمون} يتضمن تهديدا بعذاب مهين .