وذكر سبحانه نعما للإنسان أخرى فيها ، وهي قوله تعالى:{ ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تستريحون ( 6 )} .
ترى الراعي للإبل أو القطيع ساقها إلى الرواح قد ذهب عنها الجوع وامتلأت شبعا من الكلأ والنبات ، ويخرج بالنعم سارحا إلى حيث المرعى والمسقى ، وحيث يرعاها ويشرف عليها في حركاتها وملاعبها ذلك هو معنى{ تريحون} و{ تسرحون} .
و ( الجمال ) هو الصورة التي تكون متنافسة وتؤثر في النفس ، وهو يكون في الخلق والتكوين ، كما ترى في جمال الأشخاص والصور والمناظر وتنفعل به النفس في إحساس بالسرور والارتياح ، ويكون في جمال الطبائع السليمة الطيبة ، ويكون في المعاني والصور النفسية .
وإن في منظر قطعان الإبل والغنم والبقر وهي سارحة متجهة إلى مراعيها ، ما يشرح النفس ؛ لأن منظر الحياة في الأحياء يفرح النفس ، ويلقى فيها بهجة ، ومنظرها وهي عائدة ريانة بالشبع والسقي يعطي ارتياحا أشد .
وقد ذكر رواحها ، قبل سراحها مع أن الرواح خاتمة اليوم والسراح ابتداؤه ؛ لأن الإحساس بالجمال في الرواح أشد ؛ إذ تكون مزدهرة مملوءة بالشبع ، ورواحها يكون أشد ، وجمالها أوقع في نفس صاحبها ؛ لأنه يكون بعد تعب رعيها والإشراف عليها ، ولأنه يكون بعد انتصارها على مطامعها ، وإشباع حاجتها .
وقد قال الزمخشري:من الله بالتجمل بها ، كما من بالانتفاع بها ؛ لأن من أغراض أصحاب المواشي ، بل هو من معاظمها ؛ لأن الرعيان إذا روحوها بالعشي وسرحوها الغداة ، فزينت بتسريحها الأفنية ، وتجاوب فيها الثغاء والرغاء أنس أهلها وفرح أربابها وأجملها في عيون الناظرين إليها وأكسبتهم الجاه والحرمة ونحوه .
وقد يسأل سائل لماذا ذكر جمال النعم في غدوها ورواحها وجمال الدنيا كثير ؟ والجواب أن ذلك أن الله تعالى ذكر زينة الأرض بنباتها ، وزخرفها ، وذكر أنها زينت بذلك للناظرين ، وإن ذكر جمال النعم في تلك الأوقات ترغيبا في تربيتها والعناية بها ؛ لأن فيها نفعا وغذاء .