وإذا كانوا مستبعدين أو مستغربين أن يكون البشر رسولا فهلا تكون رسالة أو يكون الرسول من الملائكة ، لا جائز أن يترك الإنسان من غير رسالة ، وإذن فعلى زعمهم يكون من الملائكة ، ولكن الملائكة لا يتجانسون مع البشر فلا يهدوهم ، ولذا قال تعالى:
{ قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ( 95 )} .
أمر الله نبيه الكريم أن يعلمهم أن الطبيعة الملكية لا يمكن أن تعيش قارة ساكنة مع طبيعة الأرض ، وأن كل جنس في هذا الوجود له ما يشاكله ، فالأرض تشاكل الإنسان والملائكة يشاكلهم مكانهم الذي يعيشون فيه ، والرسول يكون من بين المرسل إليهم بل من قومهم ، ولذا بين الرسالة لهم هذه الاستحالة قال:قل لهم يا نبي الله{ لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين . . .} ، أي لو كان في الأرض مكانا مهيأ للأرواح الطاهرة المطهرة يمشون فيه مطمئنين ، أي ساكنين سكونا يتفق مع طبائعهم الروحية{ لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا} ، أي رسولا من الملائكة .
و{ لو} كما يقول علماء البيان:حرف امتناع لإمتناع ، أي امتنع أن ينزل الله عليهم ملكا رسولا لامتناع أن يكون لهم في الأرض مكان يمشون فيه ويسكنون ويتفق مع روحانيتهم .
أما وجه امتناع المقدم ، وهو الشرط ؛ فذلك لأن الأرض مادة فيها زرع وغرس وفيها أحجار ورمال وغير ذلك من شئون المادة ، والملائكة أرواح لا ترى ، فكيف يمكن أن يكون لهم مكان في هذه الأرض المادية يروحون فيه ويغدون ويخاطبون من أرسلوا إليهم ، إنه لا بد من أن تجسد هذه الأرواح ليمكن أن ترى وأن تسير في الأرض وفي هذه الحال لا يكون ثمة فارق بينهم الآدميين ، وقد قال تعالى في سورة الأنعام:{ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ( 9 )} .
ولو كان المشركون يريدون أن يخاطبوهم وهم أرواح لا يرونها ويسمعون فإن الأوهام تسيطر عليهم ويقول الضالون المصلون:رئى من الجن خيل لهم .
إذا كان ذلك كذلك ، فمن المستحيل أن يجد الملائكة في الأرض ما يصلح لدعوتهم ، وألا يكون المرسل إليهم صالحين لخطابهم والاستماع إليهم ، وإذا امتنع المقدم ( لو ) فإن الثاني يمنع أيضا بهذه البدهيات العقلية ، يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرشدهم إن كان في قلوبهم متسع للإرشاد ولكنهم لا يطلبون دليلا جديدا لنقص في الدليل ، أو تغيير للرسول لعجز فيه ، بل يكابرون ويعاندون .