/م94
القرآن الكريم أجاب هؤلاء جميعاً في جملة قصيرة واحدة مليئة بالمعاني والدلالات ،قال تعالى: ( قُل لو كان في الأرض ملائكةٌ يمشون مُطمئنين لَنزَّلنا عليهم مِن السماء ملكاً رسولا ) .
يعني أنَّ القائد يجب أن يكون مِن سنخ مَن بُعِثَ إِليه ،ومِن جنس أتباعه ،فالإِنسان لجماعة البشر ،والمَلَك لجماعة الملائكة .
ودليل هذا التجانس والتطابق بين القائد وأتباعه واضح ؛فمن جانب يعتبر التبليغ العملي أهم وظيفة في عمل القائد مِن خلال كونه قدوة وأسوة ،وهذا لا يتمّ إِلاَّ أن يكون القائد مِن جنسهم ،يمتلك نفس الغرائز والأحاسيس ،ونفس مكونات البناء الجسمي والروحي الذي يملكهُ كل فرد مِن أفراد جماعته ،فلو كانَ الرّسول إلى البشر مِن جنس الملائكة الذين لا يملكون الشهوة ولا يحتاجون إلى الطعام والمسكن والملبس ،فلا يستطيع أن يتمثل معنى الأسوة والقدوة لِمن بُعِثَ إِليهم ،بل إِنَّ الناس سوف يقولون: إِنَّ هذا النّبي المرسل لا يعرف ما في قلوبنا وضمائرنا ،ولا يدرك ما تنطوي عليه أرواحنا من عوامل الشهوة والغضب وما إلى ذلك ،إِنَّ مثل هذا الرّسول سوف يتحدث إلى نفسه فقط ،إِذ لو كان مِثلنا يملك نفس أحاسيسنا ومشاعرنا لكانَ مِثلَ حالنا أو أسوأ ،لذا لا اعتبار لكلامه .
أمّا عندما يكون القائد مِثل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب( عليه السلام ) الذي يقول: «إِنّما هي نفسي أروضها بالتقوى لِتأتي أمنة يوم الخوف الأكبر »{[2253]} .فإنّ مِثلُه يصلح أن يكون الأسوة والقدوة لِمن يقودهم .
مِن جانب آخر ينبغي للقائد أن يُدرك جميع احتياجات ومشاكل أتباعه كي يكون قادراً على علاجهم ،والإِجابةِ على أسئلتهم ،لهذا السبب نرى أنَّ الأنبياء برزوا مِن بين عامّة الناس ،وعانوا في حياتهم كما يعاني الناس ،وذاقوا جميع مرارات الحياة ،ولمسوا الحقائق المؤلمة بأنفسهم وهيأوا أنفسهم لمعالجتها ومصابرة مُشكلات الحياة .
/خ95