قدرة الآيات والكفر بها من المشركين
أنكروا الإيمان باليوم الآخر ، وعجبوا من أن يعادوا خلقا جديدا ، وقد صاروا عظاما ورفاتا ، وأنكروا أن يكون القرآن معجزة ، وطلبوا معجزات حسية محادة لله تعالى ، ولتكون معجزته صلى الله عليه وسلم كمعجزات الأنبياء السابقين فرد الله قولهم في الأمرين ، ففي الأمر الأول أشار إلى قدرته على خلق أمثالهم ، وأن قدرة الله واسعة ولا يحاسب بها خشية الإنفاق ، وفي الأمر الثاني ذكر الله تعالى قدرته أنه أعطى موسى تسع آيات بينات ، وقد قال فرعون بعد أن رآها ، وعاينها آية بعد آية:{. . .إني لأظنك يا موسى مسحورا ( 101 )} .
قال تعالى في الأمر الأول:{ أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم} ( الواو ) عاطفة على فعل مقدر بما يناسب الكلام ، وتقديره أقالوا ذلك ولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم ، والاستفهام داخل على لم يروا ، ومعناه النفي مع التنبيه ، يعني قد قالوا قولهم ، وقد رأوا أن الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم ، وإذا كان قادرا على أن يخلق مثلهم ، فبالأولى وهو قادر على أن يعيد بعضهم أو كلهم ، فهذا إثبات لإعادتهم خلقا جديدا بطريق دلالة الأولى ، ذكر مقدم الدليل ، وترك لهم أن يأخذوا التالي من المقدم .
وقوله تعالى:{ وجعل لهم أجلا لا ريب فيه} ( الواو ) عاطفة "جعل لهم أجلا"على "خلق السموات والأرض". . .فهو جعل لهم أجلا ينتهي ولا يتغير في نهايته ،{. . .فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( 34 )} [ الأعراف] ، فمعنى{ لا ريب} أنه لا شك فيه ؛ لأنهم يرون الناس ينتهون ولا يخلدون ، ولا ريب فيه أيضا ؛ لأن الله أخبر أن له نهاية ينتهي إلى أجل مسمى ، فالنجوم مسخرات لأجل مسمى ، وقد قدم سبحانه وتعالى قوله:{ قادر على أن يخلق} على قوله:{ وجعل لهم أجلا} للمبادرة بالنتيجة قبل أوصاف الفعل الأول ، لأنها ثابتة بالرؤية والحس ، وكل ما في الوجود له دور ينتهي عنده ، فالليل والنهار في ميقاته ، والشمس والقمر ، يظهران كل في ميقاته .
والأجل الذي يذكره الله تعالى أجلان:أحدهما أجل يرى ويحس ، وهو أفول النجوم والكواكب ، ونحوهما بالنسبة لكل ما تراه في السماء ذات البروج ، والموت بالنسبة للإنسان والأحياء بشكل عام ، وهو أجل تراه ينتهي كل يوم ، والأجل الثاني هو أجل هذه الدنيا فإنها إلى أجل محدود هو يوم القيامة ، وقد أقام القرآن الأدلة القاطعة على نهاية هذا العالم ، وهو أيضا لا ريب فيه ، لقيام الأدلة بالنقل والعقل على أن الدنيا إلى فناء وبعدها الآخرة .
ومع قيام هذه الأدلة القائمة لم يؤمن أكثر الناس ، ولذا قال تعالى{ فأبى الظالمون إلا كفورا} الفاء هنا للترتيب والتعقيب ، وهي بهذه الدلالة فيها توبيخ لهم على كفرهم ؛ لأن مؤدى القول أنه كان يترتب على هذا النظر والعلم الذي لا ريب فيه أن يؤمنوا ، ولكنهم بدل ذلك كفروا كأنهم يرتبون على الحكم المؤيد بالدليل نقيضه ، والناس هنا أهل مكة أو الناس جميعا ، فإن أكثر الناس لا يذعنون للحق إذا تبين ،{ فأبى} ، أي لم يرتب على ذلك أكثر الناس{ إلا كفورا} ، أي إلا كفرا بهذه الحقائق البينة ، ف{ كفورا} معناه كفر ملح لاح في الكفر ، فزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى .