وقد ذكر الله تعالى الآخرة ، ومقدمات البعث والقيامة فقال عز من قائل:
{ ويوم نسيّر الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا 47} .
ويوم نسيّر الجبال ، أي نحركها من أماكنها ، ونسيرها كما نسير السحاب ، كما قال تعالى:{ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب… 88} ( النمل ) ، و{ يوم} متعلق بفعل محذوف تقديره اذكر يوم نسير الجبال ، أي يوم البعث إذ تتغير الدنيا ، والأرض والسماوات ، وقد خطر بخاطري أن{ نسير} متعلق ب{ خير} محذوفة دلت عليها الآية قبلها ، أي الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخيرا أملا ، وخير يوم نسير الجبال ، وترى الأرض .
وتسير الجبال تحريكها من أماكنها ، وتكسيرها فتكون هذه الأوتاد الشامخة منكسرة متفتتة ، كما قال تعالى:{ وبسّت الجبال بسّا 5 فكانت هباء منبثا 6} ( الواقعة ) ، وكما قال تعالى:{ وإذا الجبال سيرت 3 وإذا العشار عطلت 4} ( التكوير ) ،{ وترى الأرض بارزة} ، أي ترى في هذا الوقت صعيد الأرض بارزا ، ليس عليه جبال كالأوتاد والأشجار وبرز ما في باطنها من أحجار وفلزات ، وبرز ما فيها من القبور ، كما قال تعالى:{ إذا السماء انفطرت 1 وإذا الكواكب انتثرت 2 وإذا البحار فجرت 3 وإذا القبور بعثرت 4 علمت نفس ما قدمت وأخرت 5}( الانفطار ) .
وهكذا ينهي الكون بارئه ، ويذهب هذه الحياة بانيها ، ومن بعد ذلك ، وقد أبرز كل شيء خالق كل شيء عندئذ يكون الحشر ولا يغادر منهم أحدا ، ولذا قال تعالى:{ وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا} ، أي حشرناهم في ذلك اليوم لا نترك أحدا ، وعبر سبحانه بالماضي لتأكد هذا الحشر ، واستعمال الماضي في مقام المضارع لتأكد الوقوع ، وعبر سبحانه بالفعل حشر للإشارة إلى جمعهم غير مريدين ، أو مختارين ، وأنهم جميعا متلاقون الضالون والمضلون ، وأنهم بعد ذلك يعرضون على ربهم ، ولذا قال تعالى:
{ واعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا 48} .