{ واعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا 48} .
أي أنهم في هذا المحشر الذي حشروا فيه لم يكونوا مجهولون ، أو أن الازدحام جعلهم غير معروفين ، بل إنهم كانوا مع هذا الجمع الحاشد معروفين مميزين عند رب العالمين الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء{ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير 14} ( الملك ) ، بل إنهم عرضوا صفا كما يعرض الجنود صفوفا متراصة أمام قائدهم يلقى إليهم أوامر ، فكذلك صفهم الله تعالى صفوفا متميزة مقرا لهم بأنه يعلمهم ، يذكر الله لهم بلسان ملائكته أو إن حال الموقف كأنهم يخاطبون بالقول:{ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة… 94} ( الأنعام ) ، أكد سبحانه وتعالى مجيئهم ب ( اللام ) ، و ( قد ) وأنهم معاينون وقوله تعالى:{ كما خلقناكم أول مرة} فيه إشارتان:
الإشارة الأولى:أنهم يجيئون مجردين من كل نسب وحال من أحوال الدنيا التي كانوا بها يتفاخرون من مال ونفر ، وهيل وهيلمان وسلطان .
والإشارة الثانية:إشارة إلى قدرة الله الكامل المسيطرة ، وأنه أعادهم كما بدأهم ، كما بدأكم تعودون ، وقوله تعالى:{ بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا} الإضراب هنا ب{ بل} معناه الإضراب عما كانوا عليه في الدنيا وإثبات الواقع المقرر الذي يرونه ، و{ زعمتم} ، أي ظننتم بزعمكم لا بالحقيقة الثابتة ، ( أن ) هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، أي أنهم زعموا نفي البعث بنفي أن الله تعالى جعل لهم موعدا يبعثون فيه ، ويحاسبون على ما قدموا من خير وشر ، وإنه سيجيء معهم كتاب أعمالهم لم يغادر صغيرة ولا كبيرة ، وقال تعالى:
{ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا 49} .