عَرض الشيء: إحضاره ليُرى حاله وما يحتاجه .ومنه عرض الجيش على الأمير ليرى حالهم وعدتهم .وفي الحديث « عُرضت عليّ لأمم » وهو هنا مستعار لإحضارهم حيث يعلمون أنهم سيتلقون ما يأمر الله به في شأنهم .
والصف: جماعة يقفون واحداً حذو واحد بحيث يبدو جميعهم لا يحجب أحد منهم أحداً .وأصله مصدر ( صفهم ) إذا أوقفهم ،أطلق على المصفوف .وانتصب{ صفاً} على الحال من واو{ عُرضوا} .وتلك الحالة إيذان بأنهم أحضروا بحالة الجناة الذين لا يخفى منهم أحد إيقاعاً للرعب في قولبهم .
وجملة{ وعرضوا على ربك} معطوفة على جملة{ وحشرناهم} ،فهي في موضع الحال من الضمير المنصوب في{ حشرناهم} ،أي حشرناهم وقد عرضوا تنبيهاً على سرعة عرضهم في حين حشرهم .
وعدل عن الإضمار إلى التعريف بالإضافة في قوله:{ على ربك} دون أن يقال ( علينا ) لتضمن الإضافة تنويهاً بشأن المضاف إليه بأن في هذا العرض وما فيه من التهديد نصيباً من الانتصار للمخاطب إذ كذبوه حين أخبرهم وأنذرهم بالبعث .
وجملة{ لقد جئتمونا} مقولٌ لقول محذوف دل عليه أن الجملة خطاب للمعروضين فتعين تقدير القول ،وهذه الجملة في محل الحال .والتقدير: قائلين لهم لقد جئتمونا .وذلك بإسماعهم هذا الكلام من جانب الله تعالى وهم يعلمون أنه من جانب الله تعالى .والخطاب في قوله:{ لقد جئتمونا} موجه إلى معاد ضمير{ عُرضوا} .
والخبر في قوله:{ لقد جئتمونا} مستعمل في التهديد والتغليظ والتنديم على إنكارهم البعث .والمجيء: مجاز في الحضور ،شبهوا حين موتهم بالغائبين وشبهت حياتهم بعد الموت بمجيء الغائب .
وقوله:{ كما خلقناكم أول مرة} واقع موقع المفعول المطلق المفيد للمشابهة ،أي جئتمونا مجيئاً كخلقكم أول مرة .فالخلق الثاني أشبه الخلق الأول ،أي فهذا خلق ثانٍ .و ( ما ) مصدرية ،أي كخلقنا إياكم المرة الأولى ،قال تعالى:{ أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد}[ ق: 15] .والمقصود التعريض بخطئهم في إنكارهم البعث .
والإضراب في قوله:{ بل زعمتم ألن نجعل لكم موعداً} انتقال من التهديد وما معه من التعريض بالتغليط إلى التصريح بالتغليط في قالب الإنكار ؛فالخبر مستعمل في التغليط مجازاً وليس مستعملاً في إفادة مدلوله الأصلي .
والزعم: الاعتقاد المخطىء ،أو الخبر المعرَّض للكذب .والموعد أصله: وقت الوعد بشيء أو مكان الوعد .وهو هنا الزمن الموعود به الحياة بعد الموت .
والمعنى: أنكم اعتقدتم باطلاً أن لا يكون لكم موعد للبعث بعدا لموت أبداً .