{وَعُرِضُواْ عَلَى رَبِّكَ صَفَا} واحداً يمثل التساوي في كل المواقع الذاتية ،فلا تفاضل بنسبٍ ،ولا جاه ،ولا مالٍ ،ولا جمالٍ ،ولا غير ذلك مما كانوا يتفاضلون فيه في الدنيا ويختلفون حوله ،وليس لهم في هذا الموقف إلا العمل ،وبذلك يكتشفون سقوط الامتيازات الدنيوية في عمق القيمة الروحية الإلهية .{لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} فقد دخلتم الدنيا من دون أن تحملوا إليها أشياءها التي تمثل زينتها الخادعة الفانية ،وقد خرجتم منها وأتيتم إلى ربكم من دون أن يكون معكم شيءٌ منها .وتلك هي حقيقة العلاقة التي تربطكم بها ،أو تربطها بكم ،ما يوحي إليكم أنها تمثل معنى الحاجة في الحياة ،ودور الحالة الطارئة التي تتحرك في السطح من حياة الإنسان دون العمق .
{بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا} وخُيِّل إليكم ،في استغراقكم في هذه الأمور وانجذابكم إليها ،واستمتاعكم بها ،أنكم خالدون معها ،وأنها خالدةٌ لكم ،وأن الحياة ستمتد بكم إلى ما لا نهاية ،أو أنها ستنتهي إلى اللاشيء ،لأنكم لم تكتشفوا العلاقة الحقيقية بالله من خلال وجودكم في الدنيا ،أو من خلال حركة الحياة في هذا الوجود ،في حاجاتها وأوضاعها ،وعلاقاتها ،بل أخلدتم إلى الأرض في نظرة تائهة مشدودة إلى التراب ،بعيدة عن الآفاق العليا التي تطل بالفكر على الحقيقة الإلهية التي تشمل الكون كله ،وتحتوي الزمن كله ،وتوحي للإنسان بأن هناك سرّاً يكمن خلف الحياة ،وأن الله لم يخلق الناس عبثاً ،ولم يُعفِهم من المسؤولية ،لأن ذلك هو معنى الحكمة في خلقه وفي تشريعه .وها أنتم تواجهون الموعد المحتوم الذي وعدكم به الأنبياء ،وتقفون فيه وجهاً لوجه أمام الحقيقة الحاسمة التي نسيتم الاستعداد لها من خلال نسيانكم لها في الأساس .