ثم ذكر سبحانه بحال المضلين مع من أضلوهم يوم القيامة فقال:
{ ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا له وجعلنا بينهم موبقا 52} .
اليوم هو يوم القيامة ، والواو متعلقة بفعل محذوف تقديره{ واذكر} لهم ذلك اليوم ، ودالة على وصل الجملتين ، وليستا منفصلتين ، والأولى تشير إلى هوانهم ابتداء عند الخلق والتكوين وأنه لا وجود لهم في هذا الإبان ، والثانية تشير إلى هوانهم يوم الحساب ، وأنهم لا ينفعون بشيء ، والضمير في{ يقول} يعود إلى الحق جل جلالته ، ومقول القول:{ نادوا شركائي} وأضاف سبحانه وتعالى إليه الشركاء – تعالى عن ذلك- لمسايرة زعمهم ، وللتهكم بهم ؛ ولذا قال تعالى:{ الذين زعمتم} أي الذين كانوا شركائي في زعمكم وضلالكم ، ويلاحظ أنه ذكرهم ذكر ما يعقل وهي أحجار لا تضر ولا تنفع ، نوجه القول إما بأن تقول إنه تهكم بهم ، إذ جعلوها آلهة فوق من يعقل ، وإما أن نقول إن المراد إبليس وذريته لأنهم الذين أضلوكم وأوقعوكم في هذه العبادة الضالة .
وقوله تعالى{ فدعوهم فلم يستجيبوا لهم} الفاء الأولى هي العاطفة التي تفيد الترتيب والتسبب ، والفاء الثانية كذلك ، والفعل{ فدعوهم} ، فعل ماض ، أي دعاهم معاونين لهم من حف معهم من الملائكة ، فالخطاب كان بالأمر لأهل النار أو هم الذين دعوهم ليتبيّن عجزهم إذا لم يستجيبوا لهم ،{ وجعلنا بينهم موبقا} ، أي جعلنا بين الضالين ومن أضلوهم حاجزا مانعا ، يمنع أن يعاون أحد الفريقين الآخر ، والموبق الهلاك ، من وبق بمعنى هلك ، أي جعلنا حاجزا ، هو في ذاته هلاك للفريقين .
وهذه كناية عن أن الهلاك يعم الفريقين ، وأنه لا منجاة لأحدهما الذين ضلوا ومن أضلوهم ، وهذا كقوله تعالى:{ واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا ، كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا 82} ( مريم ) وقال تعالى:{ ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم . . . 28} ( يونس ) ويقول سبحانه في حال المجرمين يوم القيامة:
{ ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا 53} .