{مَّوْبِقاً}: مهلكاً .
{وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} فليستجيبوا لكم في هذا الموقف الذي تتعرضون فيه للعذاب ،لينقذوكم منه ،أو لينصروكم فيه ،لأن ذلك هو المظهر الطبيعيّ للألوهية في أقل مراتبها التي تفرض السيطرة المطلقة ،أو الكبيرة في موقف الحساب .إنها دعوة التحدّي الصارخ الذي يوحي إلى هؤلاء المخدوعين بهذه الأفكار الضالّة ،بأن المسألة لا تملك أيّ أساس للقوّة على صعيد الفكر والواقع ،ليعيدوا النظر في اعتقادهم بها ،وليتخلصوا من التأثّر بها نهائياً .{فَدَعَوْهُمْ} في أكثر من نداء ،وفي أعمق صرخةٍ ،{فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ} لأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ،فكيف يملكونه للآخرين ،لا سيما في هذا الموقف الذي{يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [ الانفطار: 19] .
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً}والموبق محل الهلاكوقد ذكر بعض المفسرين أن المراد به النار أو مواقعها ،التي يهلك فيها الفريقان: المشركون وشركاؤهم .وقد ذكر صاحب تفسير الميزان ،أن ذلك لا ينسجم مع التدبُّر في كلامه تعالى: «فإن الآية قد أطلقت الشركاء وفيهمولعلهم الأكثرالملائكة وبعض الأنبياء والأولياء ،وأرجع إليهم ضمير أولي العقل مرةً بعد مرة ،ولا دليل على اختصاصهم بمردة الجن والإنس ،وكون جعل الموبق بينهم دليلاً على الاختصاص أول الكلام .فلعل المراد من جعل موبق بينهم إبطال الرابطة ورفعها من بينهم ،وقد كانوا يرون في الدنيا أن بينهم وبين شركائهم رابطة الربوبية ،أو السببية والمسببية ،فكنّى عن ذلك بجعل موبق بينهم يهلك فيه الرابطة والعلقة من غير أن يهلك الطرفان ،ويومي إلى ذلك بلطيف الإشارة تعبيره عن دعوتهم أولاً بالنداء ،حيث قال:{نَادُواْ شُرَكَآئِيَ} والنداء إنما يكون في البعيد ،فهو دليل على بعد ما بينهما » .
وقد نستطيع المناقشة في هذا التفسير أولاً ،بأن الآية السابقة قد تصلح قرينةً على الاختصاص ،من خلال ما تحدثت به عن إبليس وذريته باعتبارهم شركاء في عقيدة هؤلاء ،وثانياً بأن الآية لا تفرض بأن يكون الشركاء المزعومون في النار ،لأن من الممكن أن يكون هؤلاء في موقع ،وأولئك في موقع آخر ؛بأن يكون المشركون في النار ،وبذلك فإنها تفصل بينهم وبين الآخرين الذين هم خارجها ،وليس من الضروري أن يكونواجميعاًفي النار ،في ما تقتضيه كلمة"بَيْنَهُم "،فقد وردت في آية أخرى في مورد اختلاف الموقع ،في قوله تعالى:{فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [ الحديد:13] والله العالم .