القول في تأويل قوله تعالى:وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)
يقول عزّ ذكره ، (وَيَوْمَ يَقُولُ) الله عزّ ذكره للمشركين به الآلهة والأنداد (نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) يقول لهم:ادعوا الذين كنتم تزعمون أنهم شركائي في العبادة لينصروكم ويمنعوكم مني (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) يقول:فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا)
فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم:معناه:وجعلنا بين هؤلاء المشركين وما كانوا يدعون من دون الله شركاء في الدنيا يومئذ عداوة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال:ثنا بشر بن المفضل، عن عوف، عن الحسن، في قول الله:(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال:جعل بينهم عداوة يوم القيامة.
حدثنا ابن بشار، قال:ثنا عثمان بن عمر، عن عوف، عن الحسن (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال:عداوة.
وقال آخرون:معناه:وجعلنا فعلهم ذلك لهم مَهْلِكا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال:ثنا عبد الله، قال:ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال:مَهْلِكا.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال:أخبرنا عبد الرزاق، قال:أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:(مَوْبِقًا) قال:هلاكا.
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد، في قوله (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال:الموبق:المهلك، الذي أهلك بعضهم بعضا فيه، أوبق بعضهم بعضا ، وقرأ (وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا).
حُدثت عن محمد بن يزيد، عن جويبر، عن الضحاك (مَوْبِقًا) قال:هلاكا.
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا جرير، عن منصور، عن عرفجة، في قوله (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال:مهلكا.
وقال آخرون:هو اسم واد في جهنم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال:ثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عمرو البِكَالّي:(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال:واد عميق فُصِل به بين أهل الضلالة وأهل الهدى، وأهل الجنة، وأهل النار.
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) ذكر لنا أن عمر البِكَالي حدّث عن عبد الله بن عمرو، قال:هو واد عميق فُرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة.
حدثنا أبو كريب، قال:ثنا عمر بن عبيد، عن الحجاج بن أرطاة، قال:قال مجاهد (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال:واديا في النار.
حدثنا محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى "ح "، وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن ، قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال:واديا في جهنم.
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن سنان القزاز، قال:ثنا عبد الصمد، قال:ثنا يزيد بن درهم، قال:سمعت أنس بن مالك يقول في قول الله عزّ وجلّ(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال:واد في جهنم من قيح ودم.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، ومن وافقه في تأويل الموبق:أنه المهلك، وذلك أن العرب تقول في كلامها:قد أوبقت فلانا:إذا أهلكته ، ومنه قول الله عز وجل:أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوابمعنى:يهلكهن. ويقال للمهلك نفسه:قد وبق فلان فهو يوبق وبقا. ولغة بني عامر:يابق بغير همز. وحُكي عن تميم أنها تقول:ييبق. وقد حُكي وبق يبق وبوقا، حكاها الكسائي. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول:الموبق:الوعد، ويستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر:
وحـادّ شَـرَوْرَى فالسـتَّارَ فَلَـمْ يَدَعْ
تِعــارًا لَــهُ والــوَاديَيْنِ بمَـوْبقِ (4)
ويتأوّله بموعد ، وجائز أن يكون ذلك المهلك الذي جعل الله جلّ ثناؤه بين هؤلاء المشركين، هو الوادي الذي ذكر عن عبد الله بن عمرو، وجائز أن يكون العداوة التي قالها الحسن.
------------------------
الهوامش:
(4) البيت في ( اللسان:وبق ) قال:وبق الرجل يبق وبقا ووبوقا ( من باب ضرب ) ووبق ( من باب حسب ) وبقا ، واستوبق هلك . وأوبقه هو . والموبق:مفعل ( بكر العين ) منه ، كالموعد مفعل من وعد يعد . ومنه قوله تعالى:"وجعلنا بينهم موبقا "قال الفراء:يقول جعلنا تواصلهم في الدنيا موبقا:أي مهلكا لهم في الآخرة . وقال ابن الأعرابي:موبقا:أي حاجزا ، وكل حاجز بين شيئين فهو موبق . وقال أبو عبيدة:الموبق:الموعد ، في قوله "وجعلنا بينهم موبقا "واحتج بقوله "وحاد شرورى... "البيت معناه:بموعد. وحاد شرورى:نأى عنها وهي جبل بين العمق والمعدن ، في طريق مكة إلى الكوفة ، بين بني أسد وبني عامر ، والستار ، جبل بالحجاز معروف ، أسفل من النباج ، وتعار:جبل أيضا ، ببلاد قيس .